.jpg)
الشيخ فريز جرّار
(1330 – 1409هـ)(1911 – 1989م)
•تقديم
•مولده وحياته
•نشأته
•نشاطه وجهاده من 1932 – 1948م:
دوره في الأحداث الوطنية خلال الثورة الكبرى
•استشهاد القائد العام للثورة وهدم قرية صانور
•نشاط الشيخ فريز في نابلس
•العمل في مراقبة الحدود
•نشاطه وجهاده بعد عام 1948م:
نشاطه في مدينة جنين
نشاطه في عمان
لقاء وحوار
•أبرز صفاته
•وفاته رحمه الله
•كلمات تقدير ووفاء:
كلمة الأستاذ يوسف العظم – بعنوان: «رثاء ولا رياء»
كلمة د. مأمون فريز جرّار – بعنوان: «أبي هل أنت في الفردوس الأعلى»
كلمة الأستاذ أحمد الجدع – بعنوان: «علماء عرفتهم»
مواقف وآراء لعدد من عارفيه
•المراجع
تقديم
الشيخ فريز جرّار «أبو داود»..عالم جليل وداعية مجاهد.. من الدّعاة الذين اتّصفوا بالإيمان والإخلاص والتفاني في خدمة دينهم ووطنهم وأمّتهم..
كان من الرّجال الذين عاصروا فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.. وكان له مع هذا الانتداب مواقف وأحداث.. وكان من المرابطين في بيت المقدس، والمدافعين عن المسجد الأقصى عندما عمل في القدس من عام 1932 – 1940م..
كان من وجهاء فلسطين الذين لهم دور كبير في الحركة الوطنية والاجتماعية.. ودور مشرّف في الأحداث الوطنية خلال الثورة الكبرى في فلسطين من (1936 – 1939م)..
كان شيخ العائلة الكبير.. ووجهاً مشرقاً من وجوه محافظة جنين.. وداعية له دور مشهود في تربية الشباب على الإسلام، وإرشادهم إلى عمل الخير..
كان قدوة صالحة تميّز بخلق كريم، وسيرة عطرة ونيّة صادقة، والتزام جادّ بمنهج الإسلام..
كان داعيةً آمن بالله، واستقرّت معاني الإيمان في قلبه، فأصبح لا يرى إلاّ الحق، ولا يخشى إلا الله..ومجاهداً لم يَسْعَ إلى شهرة.. جاهد وأخلص وعمل الصّالحات ابتغاء مرضاة الله..
وكان رئيساً لشعبه الإخوان المسلمين في جنين من عام 1960- 1967م، وعضواً في مجلس شورى الجماعة في عمان.
مولده وحياته:
ولد الشيخ فريز محمود جرّار في قرية صانور من أعمال جنين بفلسطين عام 1911م، وتلقى علومه الابتدائية في المدرسة الأهلية بالقرية على يد إمام المسجد الذي كان يحرص على تعليم القرآن الكريم والحساب واللغة العربية والخط.. ولما بدأ الاحتلال البريطاني البغيض بعد الحرب العالمية الأولى، تم فتح مدرسة حكومية تولّى التدريس فيها العالم الفاضل الشيخ موسى السّيد.. ولما أنهى الدراسة عنده التحق بالمدرسة الصلاحية الثانوية بمدينة نابلس عام 1926م وحتى عام 1930م.
يقول الشيخ فريز عن ميلاده ودراسته في تلك الفترة( ):
«الميلاد: في قرية صانور، إبان العهد العثماني قبيل الحرب العالمية الأولى من أبوين عثمانيين هما: محمود قاسم محمد داود يوسف محمد الجرار وبهيّة محمد داود الجرّار. وكنتُ محبّباً لوالديّ أكثر من إخوتي، ومُحبّاً ومطيعاً لهما.
الدراسة: بدأت دراستي في المدرسة الأهلية، وكان يدرسنا إمام المسجد ونجلس معه على الحصر ونكتب الدرس على ألواح الحجر الأسود. وكان أكثر ما يحرص عليه المعلم تعليم القرآن الكريم والحساب واللغة العربية والخط، كل ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى، حتى بدأ الاحتلال البريطاني البغيض، وتم فتح مدرسة على حساب الحكومة، وجاءنا المعلم الشيخ موسى الأحمد السيد وبدأ التعليم الرسمي، وكان التركيز على ختم القرآن الكريم مع إتقان أحكام التجويد. وفي نهاية عام 1924م توفي الوالد رحمه الله. ثم انتقلت إلى مدينة نابلس ودخلت المدرسة الصلاحية الثانوية حيت أتممت دراستي».
وكان والده الحاج محمود القاسم قد انتقل إلى رحمة الله في أواخر عام 1924م، وبعد سنوات من وفاته شعر أن حالة أسرته المادية لا تساعده على مواصلة دراسته بعد المدرسة الصلاحية، فدخل مدرسة تدريب البوليس الفلسطيني في القدس عام 1932م وتخرج فيها وعمل في القدس والخليل حتى عام 1939م، ثم نُقل إلى قوّة الدّفاع بنابلس عام 1940م. وفي عام 1942م عُيّن ضابطاً لمراقبة الحدود في جسر اللّنبي ثم جسر المجامع عام 1944م فجسر بنات يعقوب. وفي عام 1946م نُقل إلى جسر الشيخ حسين بجوار مدينة بيسان، ومكث في بيسان حتى نهاية الانتداب البريطاني وسقوط المدينة في قبضة اليهود عام 1948م.
وبعد سقوط بيسان عاد الشيخ فريز إلى قرية صانور ثم استقر في مدينة جنين، وعمل عام 1952م مسئولاً عن مكتب مشاريع تحسين القرى للواء جنين، واستمر في هذا العمل حتى عام 1967م حيث اغتصب اليهود البقية الباقية من أرض فلسطين..
وكان الشيخ يوم وقعت البلاد بقبضة يهود في زيارة لمدينة عمان، وحاول العودة إلى جنين فمنع من قبل السلطات اليهودية وبقي في عمان..
وفي عمان عمل مراقباً لتموين النازحين بوزارة الإنشاء والتعمير عام 1969م، وعُيّن عام 1971م واعظاً بوزارة الأوقاف، ثم عُيّن عام 1979م مراقباً عاماً لمساجد العاصمة عمان، واستمر في عمله هذا حتى عام 1983م، ثم قدّم استقالته من العمل وتفرغ لأعمال الخير.
وكان في أثناء عمله في الوظيفة يقوم بدراسة العلوم الشرعية والعربية بجهود شخصية، وصار أحد علماء ودعاة الحركة الإسلامية في أرض الإسراء والمعراج.
نشأته:
نشأ الشيخ فريز في بلدة كانت معقلاً من معاقل الجهاد في فلسطين.. وتربّى في أسرة شاركت في دفع الظّلم عن الناس، وبالوقوف في وجه المستعمرين..
فوالده الحاج محمود القاسم كان وجيهاً في عشيرته، وكانت له مواقف كريمة في نجدة الضعيف وإغاثة الملهوف ونُصرة المظلوم، والوقوف في وجه المستعمرين.. وَرَدَ ذِكْرُهُ في الحوليّة السنويّة لولاية بيروت عام 1326هـ/1908م بأنه كان من وجوه جنين، وكان العضو المنتخب لمجلس إدارة القضاء عام 1908م( )..
ومن مواقفه الوطنية الصّلبة ضد المؤامرات البريطانية على فلسطين، موقفه عندما احتلّ الإنجليز المنطقة الشمالية من فلسطين عام 1918م وقاموا بخطّة ماكرة حاولوا فيها الاتصال بوجوه العشائر الفلسطينية وإغرائهم بمناصب كبيرة لكسب تأييدهم.. فكانوا يتعهّدون للذين يؤيّدون سياستهم بتلبية أية مطالب خاصة يقدّمونها للحكومة، وبإعطائهم مناصب وزاريّة ووظائف إدارية عالية في الدولة..
وحين قام القائد الإنجليزي لمنطقة جنين بزيارة لوجهاء عشيرة آل جرّار في مركزهم بقرية صانور وعرض عليهم أموراً كثيرة تحمل الإغراء.. منها تعليم أبنائهم في المدارس على نفقة الدولة، وإرسالهم إلى بريطانيا لنيل أعلى الشهادات من الجامعات الإنجليزية، وتسليمهم أعلى المناصب في البلاد. مقابل تأييد وجود الإنجليز في فلسطين والتعاون معهم. وطلب منهم التشاور في هذا العرض، وضرب لهم موعداً يحضر فيه لتلقي الجواب..
فما كان من الحاج محمود وأبناء عمومته من وجهاء العشيرة إلا أن اعتبروا أي تعاون مع الإنجليز خيانة للوطن وللإسلام..
وعاد القائد الإنجليزي في موعده ولم يجد أحداً في استقباله، وجلس في ديوان العشيرة ينتظر، ولم يأته أحد من شيوخها.. فخرج والغيظ يملأ عليه نفسه، وأخذ يتوعدهم بالتضييق عليهم. وبالفعل فقد حُرم أبناؤهم من التعليم العالي، كما حُرموا من المناصب الهامّة في الدولة طيلة مدّة الانتداب البريطاني على فلسطين.
وفي عام 1920م راجت إشاعات عن قدوم أعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين ودخولهم البلاد من ميناء قرب الخضيرة.. فتحركت عشائر جبل نابلس وقامت وفود بمقابلة الحكّام العسكريين. وقام الحاج محمود ومشايخ عشيرته في لواء جنين بمقابلة الحاكم البريطاني «ماكلارِن» واحتجوا على قدوم جماعات من اليهود تحت إشراف الحكومة البريطانية.. فكذّب لهم الخبر وقال إن الحكومة البريطانية المنتدبة تمنع اليهود من القدوم إلى هذه البلاد إلا بعثات محدودة.
وفي عام 1922م أصدرت حكومة الانتداب في فلسطين قانون انتخاب مجلس تشريعي للبلاد، وحدّدت أعضاء المجلس باثنين وعشرين عضواً، منهم عشرة موظفين (ستة بريطانيين وأربعة يهود)، ويرأس المجلس المندوب السامي..
وقام «ماكلارِن» بالاتصال بوجوه آل جرار وطلب الاجتماع بهم في صانور للبحث معهم وأخذ تأييدهم لتشكيل هذا المجلس، لعلمه أنّهم وأنصارهم يشكلون الغالبية في البلاد، وبموافقتهم يمكن أن يتم تشكيل المجلس.. وقبل أن يتم اللقاء عقدوا اجتماعاً لوجهاء جبل نابلس في صانور، حضره وفود من آل طوقان وآل عبد الهادي وعدد كبير من وجهاء البلاد، وتدارسوا الوضع وتمّ الاتفاق على مقاطعة الاجتماع مع الحاكم البريطاني لأن الموافقة على تمثيل اليهود في المجلس التشريعي تعتبر اعترافاً من أهالي البلاد بشرعية قدوم اليهود إلى فلسطين..
وفي اليوم المعيّن للاجتماع حضر الحاكم العسكري «ماكلارِن» إلى صانور ولم يجد أحداً في استقباله.. وقابله بعض الشباب واعتذروا له عن عدم تمكن مشايخ العشيرة من الاجتماع به. فذهب غاضباً متوعداً بالضرب على أيدي مشايخ جبل نابلس. وبذلك فوّتوا على الحكومة اعترافاً كانت قد عزمت على تحقيقه ظانّة أن حِيَلَها وأساليبها ستنطلي عليهم بوعودها الزائفة وإغراءاتها المتلاحقة بتسليمهم أعلى المناصب في الدولة.
وكان جدّه الشيخ قاسم محمد الدواد شيخاً لآل جرّار، وحاكماً لمديرية جنين من 1961 – 1878م.
وكان لجدّه الأكبر الشيخ يوسف الجرّار مواقف كرم وبطولة وفروسيّة وجهاد تناقلها الناس جيلاً بعد جيل، ولقّنها الأجداد للأحفاد.. فقد كان شيخاً لمشايخ جبل نابلس في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر. وكان رجلاً كريماً عادلاً حازماً يُجلُّ العلماء ويحمي الضّعفاء وينصُرُ المظلومين ويُعين المحتاجين .. عاشت البلاد أيّامه في بحبوحة من الأمن والعدل والاستقرار..
ومن مواقفه التاريخية المشهورة وقوفه في وجه الفرنسيين عندما اجتاحوا فلسطين بقيادة نابليون.. فلما حاصروا عكا واستنجد به أحمد باشا الجزار، وقف يدافع عن دينه ووطنه، وقاد جموع جبل نابلس والتقى مع الفرنسيين في أحراش عزّون وتمكن من هزيمتهم وتابع فلولهم في مرج ابن عامر وجبل طابور.
في هذه البيئة التي كان لها دور واضح في الأحداث الوطنية نشأ الشيخ فريز، وعاصر جزءاً من هذه الأحداث منذ طفولته، وعاش حياة مليئة بالنشاط عامرة بالجهاد.. وتربّى على مبادئ الإسلام، وشبّ على حُبّ الوطن والجهاد في سبيل العقيدة.. وكان يتمنّى أن يواصل دراسته الجامعية في الأزهر الشريف، ولكن ظروف الأسرة المادية لم تمكنه من ذلك وخاصة بعد وفاة والده.. ولكن حرصه على تحقيق هذه الأمنية دفعه إلى إرسال أخيه الشيخ توفيق جرار إلى الأزهر الشريف فدرس في كلية الشريعة ونال شهادة التخصص في القضاء الشرعي.. وبهذا حقّق لأخيه ما تمنّى تحقيقه لنفسه.. واستعاض هو عن الدّراسة في الأزهر بمطالعة الكتب في العلوم الإسلامية المتنوعة.
نشَاطه وَجهَاده من 1932- 1948م
•دوره في الأحداث الوطنية خلال الثورة الكبرى:
التحق الشيخ فريز بمدرسة تدريب البوليس عام 1932م، وتمّ تدريبه في المسكوبيّة بالقدس، وبعد تخرجه وُضع في مركز بوليس بحي يهودي تحت إمرة ضابط اسمه لانكر.. وكان يرافقه في هذا المركز اثنان من أصدقائه هما سعادة الجلاد وصبحي السعدي.. وكانت حقوق البوليس الفلسطيني مهضومة، فأخذ الشيخ فريز وأصحابه يطالبون بهذه الحقوق. وحصلت مشاجرات بينهم وبين الضباط الإنجليز واليهود، وتمكنوا من الانتصار عليهم وأخذ الحقوق كاملة لجميع أفراد البوليس الفلسطيني المسلم في أنحاء فلسطين.. ومن أهم ما حصلوا عليه إلغاء طوابير الصباح في شهر رمضان المبارك، والسّماح للبوليس المسلم بالاستراحة لتناول طعام السّحور أثناء الوظيفة اللّيلية، حيث قابل سكرتير المندوب السامي وطالبه بإنصاف البوليس المسلم.
وكان ضبّاط البوليس البريطاني واليهودي يعاملون المواطنين معاملة سيّئة ويقومون بالتّحرش بهم وإهانتهم في شوارع المدينة.. فقام الشيخ فريز وزملاؤه بعقد اجتماع لأفراد البوليس المسلم وقرّروا الإضراب في مركز بوليس القلعة، وتمكنوا من جمع كلمة البوليس الفلسطيني والوقوف صفاً واحداً تجاه الضبّاط الإنجليز واليهود.. وبعد الإضراب قابله ضابط المركز البريطاني فقال له: لم أتوقع منك أن تشترك في الإضراب الذي حدث، فأجابه الشيخ فريز: إني لا أطيق أن أرى أي عربي يهان وأنا أشاهد ذلك، وأودّ أن أختفي تحت التراب قبل أن أشاهد مثل هذا.. فهزّ رأسه وذهب إلى مكتبة وطلب نقله إلى مركز البلد القديم، وجاء هذا النقل في صالحه، إذ كان يتمنّاه من قبل، لأن هذا المركز كان قرب المسجد الأقصى بينما كان يسير من المركز السابق مسافة طويلة تزيد على الخمسة كيلو مترات من أجل الصلاة في المسجد الأقصى.
وفي مركز البلد القديم التقى مع إخوة له كان سرورهم عظيماً بلقائه وخاصة صديقه الحميم خليل عفاني.. وكانت فرصة لهم لقضاء جميع أوقات استراحتهم من الوظيفة في رحاب المسجد الأقصى يتلون القرآن الكريم ويحضرون الدروس الدينية عند نخبة من العلماء كان منهم المرحوم الشيخ أمين العوري والشيخ إبراهيم العوري والشيخ عارف الشريف والشيخ حلمي المحتسب والشيخ عبد الحي عرفه وقاضي القدس الشيخ صبحي خيزران والشيخ توفيق الحسيني.
وكانت القدس في تلك الفترة مركزاً للنشاط الوطني في فلسطين.. وكان الشيخ فريز على صلة قوية بسماحة الحاج أمين الحسيني زعيم فلسطين وقائد جهادها.. ومن خلال هذه الصّلة شارك في كثير من الأحداث الوطنية خلال الثورة الكبرى عام 1936م وحتى 1939م.. فقام هو ومجموعة من إخوانه في البوليس الفلسطيني بمساعدة الثوار بالذّخيرة والأخبار والمعلومات التي تفيدهم.. وكان البعض يتسلّل في اللّيل ويقاتل مع الثوار ثم يعود في النهار إلى عمله. كما عمل بعضهم على نقل المتفجرات والذخيرة بوضعها في سلّة ووضع الخضار فوقها وهم يرتدون البدلة العسكرية فلا يجري تفتيشهم من قبل البوليس البريطاني.
لقد قامت الثورة عام 1936م وكان من أهم مظاهرها الإضراب العام الشامل لجميع فلسطين الذي دام ستة أشهر، والذي جرت خلاله عدة معارك بين القوات البريطانية والمجاهدين الفلسطينيين في مناطق كثيرة من مدن وقرى فلسطين.. وكان من أشد هذه المعارك:
معركة الخضر قرب القدس التي استشهد فيها القائد سعيد العاص، وجرح فيها الشهيد عبد القادر الحسيني ( )..
ومعركة جبع التي حدثت في جبال جبع وصانور وسيريس بمنطقة جنين.. حيث تجمعت القوات البريطانية من جنين ونابلس تؤيّدها سبع طائرات حربية وعدد من مدافع الميدان، وقامت بتطويق الثوار من جميع الجهات، ولما قاربت ذخيرة الثوار على النفاذ هاجموا الجنود البريطانيين بالسّلاح الأبيض، وجاءهم المدد والعون من إخوانهم في القرى المجاورة، واستمرت المعركة من الظهر إلى المساء، وكانت بقيادة المجاهد محمد صالح الحمد (أبو خالد).. وبعد غروب الشمس انسحبت الطائرات من المعركة فقام المجاهدون بمهاجمة فلول الجيش البريطاني المنسحب تحت جنح الظلام وأوقعوا فيه إصابات كثيرة. وفي هذه المعركة أُسقطت طائرة وجرح قائدها «ستيوارت» وفجرت مصفّحة مرّت فوق لغم وقُتل البريطانيون الأربعة الذين كانوا فيها..
ومعركة بلعا( ) التي حدثت في الثالث من أيلول 1936م، حيث خرجت عشرون سيارة عسكرية مصحوبة بالدّبابات ومحمّلة بالجند، ورابطت على الطريق بين طولكرم ونابلس للحفاظ على القافلة اليهودية اليومية، وعلمت بها قيادة الثوار من مخبريها الذين يعملون مع القوات البريطانية ويخلصون للثورة.. فبثت الألغام في طريق السيارات، وحين نزل الجند مفزوعين من الانفجارات، أطلق الثوار رصاصهم وابتدأت معركة كبرى، وكان الثوار يرابطون على جبلين متقابلين، وكان الجنود يحتمون بالسيارات والدبابات.. ووصلت أثناء المعركة قوة عسكرية من نابلس، وأصبح عدد الجند يقارب خمسة آلاف جندي، واشتركت خمس عشرة طائرة في المعركة، واستعمل الجيش البريطاني مدافع الميدان، فحطّم صخور الجبال، وتوافد القرويّون يساعدون المجاهدين، وكانت النّسوة يساعدنهم بالعتاد والماء والطعام.. واستمرت المعركة يوماً كاملاً من الصّباح حتى غروب الشمس، وأسقطت فيها طائرتان للعدو، وأحرقت اثنتان، وفقد الإنجليز باعترافهم ضابط الطيران «هنز» والطيار «لتوكني» وضابطين آخرين والأونباشي «ولكس».. هذا غير خسائرهم وقتلاهم على الأرض. واستشهد من المجاهدين عشرة.
وقامت معركة ضارية في جبال سبصطية ومنطقة بين امرين، انهزم فيها الجيش البريطاني شر هزيمة.. وكان نشيد الثوار في هذه المعركة:
دبِّرْها يا مستر دِلْ( )
بَلْكي على يَدَّكْ بِتْحِلْ
وقد شارك في تلك المعارك عدد من القادة المجاهدين كان من بينهم: الشيخ فرحان السعدي – من المزار، والشيخ عطية أحمد من حيفا، وعبد الرحيم الحاج محمد – من ذبانة، ومحمد صالح الحمد (أبو خالد) من سيلة الظهر، وعبد القادر الحسيني – من القدس، وإبراهيم أبو ديّة – من صوريف بلواء الخليل، وعارف عبد الرازق – من الطيبة، وخليل العيس (أبو إبراهيم الكبير) – من شفا عمرو، وحسن سلامة – من قضاء الرملة، وأبو عمر – من سيلة الظهر، وفوزي جرار – من صانور، ويوسف أبو درة من سيلة الحارثية، ومحمد أبو جعب – من قباطية، وعبد الرحيم محمود – من عنبتا، وعبد الفتاح العبد – من سيلة الظهر، وسعيد العاص – من سورية.
يقول الأستاذ صالح مسعود أبو يصير عن هذه المعارك( ):
«لقد شهدت تلك الثورة معارك خالدة ما زال شعب فلسطين يؤرّخ بها عديداً من الأحداث، وهي معارك يجب أن تنحني الرؤوس لذكراها، فقد كانت تدور بين شعب لا يكاد يتسلّح إلا بجهد قليل، وبين جيوش الإمبراطورية البريطانية المدرّبة، وعمدت بريطانيا فوق قواتها العادية المقيمة بفلسطين إلى استعداد عسكري كبير، وكان جيشها يقوم بمناورات عسكرية في «الدرشوت» قرب لندن سنوياً، ولم تلغ تلك المناورات إلا عند قيام الحرب العالمية الأولى، ولكن الثورة الفلسطينية أرغمت الإنجليز على إلغاء مناوراتهم التقليدية، وأرسلت قواتها بقيادة الجنرال «جون ديل» لتحارب ثورة العرب هناك، ووزعتها على الأماكن التالية:
1-مركز قيادة الجيوش البريطانية في فلسطين وشرق الأردن (القدس).
2-الفرقة الأولى بقيادة الماجور جنرال ارمتياج منطقتها الأنحاء الجنوبية ومركزها القدس وتضم:
أ-لواء المشاة الأول بقيادة اللواء موون منطقته القدس.
ب-لواء المشاة الثاني بقيادة اللواء كار منطقته يافا.
جـ- لواء المشاة الثالث بقيادة اللواء ماسي منطقته القدس.
3-الفرقة الخامسة بقيادة الماجور جنرال هوارد منطقتها الأنحاء الشمالية مركزها حيفا وتضم:
أ-لواء المشاة الثالث عشر مع قوة حدود شرق الأردن بقيادة اللواء بريتني منطقة الناصرة.
ب-لواء المشاة الخامس عشر بقيادة اللواء يومان منطقته حيفا.
جـ- لواء المشاة السادس عشر بقيادة اللواء أكيفنس منطقته نابلس.
وفي منطقة حيفا فرقة «الهوسار» الحادية عشرة وجيوش السكك الحديدية بقيادة اللفتننت كولونيل «أثر سوف» وثلاث كتائب أخرى.
وفي القدس مركز لقوات الطيران الملكية في فلسطين وشرق الأردن بقيادة كومودور الطيران «هيل».
وكانت هذه القوات البريطانية المنتظمة الكبيرة مضافة إلى القوات الأخرى التي كانت تعسكر قبلاً في فلسطين، وإلى قوات البوليس البريطاني وقوة حدود شرق الأردن، كانت كلها معدّة لمحاربة الثورة العربية الفلسطينية التي طال الصراع معها في قوة وفي عنف، وقد كان العديد منها معارك كبير فعلاً.
وكان دور الشيخ فريز ومجموعة من إخوانه المجاهدين الذين يعملون في البوليس الفلسطيني، هو مراقبة تحركات القوات البريطانية ومعرفة خططها ضدّ الثوار، وكانوا يقومون بإعلام الثوار عن هذه التحركات والمخططات، ويساعدونهم ويهيئون لهم الفرص للهجوم على مخازن الأسلحة البريطانية والاستيلاء على ما فيها من سلاح..
وعندما قرّر عدد منهم – ومن بينهم الشيخ فريز- ترك الوظيفة والالتحاق بقوات الثورة طلب منهم سماحة المفتى البقاء في أماكنهم، لأن الثورة بحاجة ماسة إلى مساعداتهم التي يقدّمونها من خلال مواقعهم.
وهنا لا بد أن نشير إلى الوعي والإدراك الذي كان يتمتع به سماحة المفتي رحمه الله.. عندما طلب من المجاهدين الذين كانوا يلتحقون بالبوليس «عدم ترك الوظيفة، لأن الثورة في حاجة ماسة إلى مساعداتهم التي يقدّمونها من خلال مواقعهم».. ولعلّ قراءة معاصرة لهذا الموقف ربما تكون ذات فائدة كبيرة في توضيح الرؤية وبث الوعي واستخلاص الدرس للشباب المجاهدين في كل مرحلة من مراحل الجهاد.
وفي القدس اشترك الشيخ فريز في اللجان القومية لمنطقة القدس التي شكلها الحاج أمين.. وكانت هذه اللجان مسئولة عن الأمن والدّفاع عن الأقصى.. وكانت تعقد اجتماعاتها بحذر وكتمان، وتراقب مخططات الإنجليز وتحركات اليهود ومؤامراتهم على المسجد الأقصى وتعمل على إفسادها، وتقوم بحراسة المسجد والتصدّي لأي هجوم يقع عليه.
•احتلال المجاهدين للقدس القديمة:
قام المجاهدون عام 1936م باحتلال البلدة القديمة من القدس احتجاجاً على سوء المعاملة التي كان يلقاها المواطنون من قبل الشرطة والجنود البريطانيين.. ودام الاحتلال أسبوعاً أغلقوا فيه أبواب المدينة ورفعوا الأعلام العربية على الأسوار، وأحرقوا مركز الشرطة داخل المدينة.. واشترك البوليس الفلسطيني مع الثوار في احتلال المدينة، وفرّ أفراد البوليس البريطاني طالبين النجدة من الجيش..
وكان الشيخ فريز – في تلك الأحداث – على اتصال دائم بمجموعة القائد المجاهد محمد صالح الحمد (أبو خالد) من سيلة الظهر، وكان هو وزملاؤه يمدّونهم بالذخيرة من مخازن السلطة، فينقلون لهم الأسلحة وهم يرتدون البزّة العسكرية..
وبعد ذلك قامت السلطة بإدخال فرق انتحارية من الجيش البريطاني لاسترجاع المدينة.. ووقعت عدة إصابات بين أفراد المجاهدين والجيش، وتم إخلاء المدينة وانسحب رجال الثورة من البلدة القديمة إلى رؤوس الجبال المحيطة بالقدس.. واستعانت القوات البريطانية بالطيران لفك الحصار عن القدس وأوقعت الأذى في صفوف الثوار، فانسحبوا إلى جبل نابلس.
•مشاركة البوليس الفلسطيني في إضراب 1936م
خلال إضراب السّتة أشهر قام البوليس الفلسطيني في مدينة القدس بالاعتصام في الدّبّويا (القلعة) وقرّر الإضراب مشاركة للشعب الفلسطيني.. وقام الشيخ فريز وإخوانه الذين قادوا الإضراب بمجابهة المسئولين البريطانيين واحتجوا على المعاملة السّيئة التي كان يقوم بها البوليس البريطاني واليهودي ضد المواطنين.. وقد وردت برقيات التأييد من البوليس الفلسطيني في معظم المدن الفلسطينية تأييداً لإخوانهم المضربين في القدس، مما أذهل الحكومة البريطانية..
وقام المفتش العام للبوليس الفلسطيني المستر سبايسر بمقابلة المضربين في القلعة وطلب منهم حلّ الإضراب لكنهم أصرّوا على مواصلته حتى تجاب طلباتهم التالية:
1-عدم التعرض للأهالي المدنيين بالإهانة والضرب من قبل البوليس البريطاني واليهودي.. وقد كان البوليس البريطاني واليهودي يقومون بإهانة الأهالي وخاصة الزعماء منهم بإسقاط الطرابيش عن رؤوسهم، وعندما يحاول صاحب الطربوش التقاطه عن الأرض يركلونه بأرجلهم ويسقطونه على الأرض.. ومن تلك الإهانات أيضاً أنهم كانوا يتعرضون لنساء القرى اللاتي يأتين بالخضار والفواكه إلى المدينة فيقوم الجنود بنثر ما يحملن وإتلافه بأرجلهم.
2-منع البوليس اليهودي من دخول المناطق العربية نهائياً.
3-المساواة بين البوليس البريطاني والبوليس الفلسطيني في جميع الحقوق.
وكانت النتيجة أن استجاب المفتش العام للطلّبين الأوّلين ورفع الطلب الأخير لوزارة المستعمرات لأنه ليس من اختصاصه.
وتم فك الإضراب.. ولكن مكر الحكومة البريطانية لم ينس المضربين ووقفتهم الوطنية، فقامت بتشتيت الذين حرضوا على الإضراب، فنقل بعضهم إلى الخليل وبعضهم إلى غزة والبعض الآخر إلى حيفا ويافا وبئر السبع وبيسان، وَوُضعوا تحت المراقبة من قبل المخابرات العامة.. وكان نصيب الشيخ فريز من هذه الإجراءات النقل إلى مدينة الخليل ثم إلى غزة حيث قضى فيهما فترة ثم أُعيد إلى القدس ثانية.
وفي القدس استمرت صلة الشيخ فريز بسماحة المفتي الحاج أمين الحسيني حتى ليلة خروجه من المسجد الأقصى ومغادرة القدس إلى بيروت عام 1937م.. واستمر نشاطه في اللجان القومية بعد خروج المفتي، وكان دائماً يحذّر المسئولين عن اللجان من مكر الإنجليز وخداعهم ومحاولتهم باستمرار إثارة الفتن والشّقاق بين الفلسطينيين، ويذكّرهم بقول الله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الأنفال: 46].. وكان يدعو إلى وحدة الكلمة بين صفوف الفلسطينيين وإزالة الخلاف لتفويت الفرصة على حكومة الانتداب التي كانت تعمل تحت شعار «فرّق تسد».
•استشهاد القائد العام للثورة وهدم قرية صانور:
كان المجاهدون في ثورة 1936 – 1939م يعتبرون صانور قلعة من قلاع الثورة، ومركزاً هاماً من مراكزها، نظراً لما تتميّز به من موقع حصين، ولما يجدون من عون ومساعدة من جميع أهالي القرية.. أضف إلى هذا ما قام به أهلها من جهاد ريادي في محاربة الإنجليز..
ففي عام 1935م اتصل المجاهد كامل الحاج حسين ( ) بالشيخ عز الدين القسام وعرض عليه أن يجعل صانور قاعدة له وأن يبدأ الثورة ضد الإنجليز من جبالها. وقام الشيخ القسام بزيارة المنطقة ولكنه لم يجد الأحراش الكثيفة الكافية التي تمكن المجاهدين من الاختفاء فيها والتي تحميهم من طائرات العدو.. ففضّل الاتجاه إلى مناطق أخرى واختار في النهاية أحراش يعبد.
وفي شهر تموز من عام 1936م أُطلقت أوّل رصاصة على الإنجليز من صانور.. حين اجتمع شباب من قرية صانور وقرية صير وذهبوا مع المجاهد كامل الحاج حسين إلى موقع «تِرْسِلاّ» من جهة بيت ياروب، وكان معهم المرحوم فوزي جرار، وكمنوا للإنجليز قرب الشارع العام بين نابلس وجنين وأطلقوا عليهم النار، واستشهد في هذه المعركة عزيز جرّار ومحمد الحاج محمود.. وبعدها بدأ الناس يشتبكون مع الإنجليز ويطلقون عليهم النار. وبدأ المجاهدون يتجمعون في صانور وفي جبل «حريش» المجاور لها.. ووصل في تلك الفترة عدد من القادة العرب كان من بينهم المجاهد سعيد العاص والشيخ محمد الأشمر وقائد عراقي مُرسل من قِبَل الملك غازي اسمه «جاسم»، وتجمعوا في صانور قرابة الشهر ثم انتشروا في البلدان الأخرى..
ولما وصل القائد فوزي القاوقجي تعاون معه أبناء صانور واشتركوا في عدد من المعارك كان من أبرزها معركة «حريش» ومعركة «بيت أمرين» عام 1936م..وكان نشيد الثوار في المعركتين:
صهيوني دبِّرْ حالك نَفَدوا الثُّوار
معهم فوزي القاوقجي البطل المغوار
وعندما أصبح المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد قائداً عاماً للثورة كان يعتبر صانور مركزه الرئيسي.. فكثيراً ما كان يأوي إليها وإلى الجبال الحصينة المحيطة بها هو وجنوده.
وكان الشيخ فريز يقضي إجازته الأسبوعية في صانور باستمرار.. يزور أهله وأهالي بلدته، ويحرّضهم على الثّبات في وجه الأعداء وعلى بذل كلّ عون للمجاهدين. وكان يتصل بالمجاهدين عن طريق أخيه فريد الحاج محمود (مختار القرية) ويزوّدهم بما لديه من معلومات عن تحرّكات ومخطّطات القوات البريطانية.
وفي عام 1939م توجّه القائد عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق للحصول على أسحلة وذخيرة.. وبعد أن أمضى قرابة شهر فيها، قرّر العودة إلى فلسطين لاستئناف الجهاد. وفي 26 آذار 1939م عاد مع نفر من إخوانه المجاهدين وكان منهم: سليمان أبو خليفة، سعيد بيت أيبا، فوزي جرار من صانور، محمد سليم جرار من برقين، ورافقهم تسعة خيالة من عرب الصقر في منطقة طوباس.. وكان في استقباله على نهر الشريعة بمنطقة طوباس المرحوم أحمد الحاج حسين وهو من وجهاء صانور المعروفين، فاصطحبه ومن معه من المجاهدين إلى صانور، وبات القائد في تلك الليلة في ديوانه وتوزّع المجاهدون كعادتهم للمبيت في بيوت أخرى. وقبل المبيت أوْفَد القائد مرافقه المجاهد سليمان أبو خليفة ليلاً ليقابل المجاهدين في عدد من القرى المجاورة، ليوافوه في صباح اليوم التالي في قرية الفندقومية لاستئناف الجهاد.. فقام بالمهمّة التي كُلِّف بها وعاد مرهقاً وبات في ديوان مختار القرية فريد الحاج محمود جرار.
وكان عملاء الإنجليز يتابعون القائد منذ خروجه من دمشق واتجاهه إلى صانور.. وفي فجر تلك الليلة كانت قوات كبيرة من الإنجليز بصحبة أحد العملاء تطوّق البلدة ويعتلي أفرادها سطوح المنازل ويحاصرون الثوار. وتمكن عدد من الثوار من الاختفاء داخل البلدة.. أما القائد – رحمه الله – فقد رفض الاختفاء رغم الإلحاح الشديد من أهل البلدة للقيام بإخفائه، وقرّر أن يصلّي الفجر وينطلق بجواده مهما كانت النتائج، ليلتقي مع إخوانه المجاهدين ويبدأ المعركة مع الأعداء. وقد استطاع أن يتجاوز الطوق الأول والطوق الثاني.. ولما وصل خارج القرية من الجهة الشرقية أصابته رصاصة في جسده سقط على أثرها عن حصانة، وكان يصحبه رفيقه في الجهاد (سعيد سليم – بيت أيبا)، فطلب منه القائد أن يمضي في سبيله( ). وقد بلغت بطولة المجاهد الكبير حداً جعل جنود الإنجليز يؤدون له التحية العسكرية وهو مسجّى على الأرض شهيداً.
وكانت قوات الإنجليز في نفس الوقت قد حاصرت ديوان المختار، ولم يجرؤ أحد منهم على اقتحامه، فخرج إليهم المجاهد سليمان أبو خليفة، ودارت معركة غير متكافئة استشهد فيها أبو خليفة رحمه الله.
وفي يوم استشهاد المجاهدين في صانور قام الإنجليز بالقبض على جميع الرّجال في القرية ونقلوهم إلى سجن عكا، وقاموا بإجلاء النساء والأطفال إلى قرية ميثلون المجاورة لعدة أيام.. قاموا خلالها بنسف ديوان المرحوم أحمد الحاج حسين وبيت أخيه المجاهد كامل الحاج حسين، وديوان المختار فريد الحاج محمود وجزءاً كبيراً من بيت الشيخ فريز وإخوانه المجاور للديوان. ونسفوا ديوان الشيخ محمد اليوسف جرار وبيت القائد فوزي جرار، كما نسفوا عدداً كبيراً من بيوت القرية.. ثم طافوا بجميع البيوت بيتاً بيتاً وكسروا الأبواب وخرّبوا جميع ما فيها من أثاث وأراقوا عليه الزيت والدّقيق والحبوب.. وبقيت القرية مطوّقة بالعساكر خمسة وعشرين يوماً.. ومختارها – الذي أبقوه وحيداً – يقاسي أشدّ العذاب، فكانوا يهدّدونه بالسجن وتارة بالقتل طالبين منه أن يدلهم على مخابئ الثوار، وهو صابر على كل ما يلاقي من إيذاء. ولا تزال آثار جرائمهم من هدم البيوت وغيرها شاهدة عليهم حتى اليوم.
•نشاط الشيخ فريز في نابلس:
نُقل الشيخ فريز عام 1940م من القدس إلى قوة الدّفاع بنابلس.. وكانت الحرب العالمية الثانية قد وقعت بين الحلفاء والألمان، وكانت الحكومة البريطانية تخاف من إنزال الألمان خلف صفوفها في فلسطين، فقامت بتشكيل قوة الدفاع لمراقبة إنزال الألمان المنتظر..
وفي تلك الفترة قُتل رئيس قسم البوليس البريطاني في بلدة قباطية بقضاء جنين، واسّتدعيت قوة الدفاع من نابلس لمحاصرة قباطية، وأقامت معسكراً لها على بيادر البلدة. وكان الشيخ فريز مع هذه القوة.. ولما رأى البريطانيين يقومون بعمليات سلب ونهب وفرض أتاوات على أهل القرية وإجبارهم على ذبح الأغنام والطيور بكميات كبيرة لإعداد طعام يومي للقوة.. عَمِلَ جاهداً لمنع البوليس الفلسطيني من مساعدة البريطانيين بإساءة معاملة الأهالي، حتى أنّه كان لا يأكل من الطعام الذي فرضته السلطة البريطانية على أهل القرية، ويطلب من زملائه مقاطعة هذا الطعام. وكان يأتيه الطعام يومياً من قرية صانور ليأكل منه هو وزملاؤه..
وكان يقيم الصلاة في المعسكر ويقوم بإمامة المصلين مما جعل الرّقابة عليه من قِبَل ذوي النفوس المريضة.. فاسّتدعي إلى مخابرات نابلس ووُجَّهت إليه تهمة تحريض البوليس الفلسطيني على الالتحاق بثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق، والتي كان يؤازرها الحاج أمين الحسيني ضد الجيش البريطاني.. لكن التحقيق عجز عن إثبات هذه التهمة..
وبعدها تمّ نقل قوّة الدّفاع من قباطية إلى طوباس حيث تمّ قتل أحد الضباط من قِبَل الثوار، فخيّمت القوة على بيادر طوباس، وبدأت السلطة بنهب القمح والمؤمن من البلدة انتقاماً من أهلها. ولكن الشيخ فريز تفاهم مع مختار القرية واتفق معه على إفشال هذه الحملة، وطلب منه إرسال نساء القرية إلى مكان تجميع الحبوب، ورَمْي القوّة بالحجارة والتّراب وتطويق أكياس القمح والتموين. وقامت النساء بالهجوم على أفراد القوّة وقمن بضرب المدير البريطاني حتى شًجَّ رأسه وفرّ إلى نابلس واستدعى قوّة كبيرة لتطويق البلدة.. فانتهز الأهلون هذه الفرصة وهرّبوا أكياس الحنطة المصادرة إلى خارج طوباس، وفشلت الخطة الاستعمارية بنهب المؤن عام 1942م.
ولما رجعت القوة من طوباس إلى نابلس قدّم الشيخ فريز استقالته من قوة الدفاع لأنه رأى أن هذه القوة ظالمة ولا يسعه أن يتعاون معها بحال من الأحوال.
لقد مكث في نابلس سنتين.. جرت خلالهما مسابقة بين القوات العربية والبريطانية تمّ فيها صعود جبل عيبال في نابلس ثم الهبوط منه.. وكان الشيخ فريز الأوّل في هذا السّباق في الصعود والهبوط، فأبدى المسئولون البريطانيون دهشتهم عندما سبق بريطانيا كان الأوّل في السباق العالمي في الهند، وكان الشيخ فريز أوّل سابق له وكان الفرق بينهما عشر ثوان فقط. وكانت الجائزة المقرّرة للفائز الأوّل جائزة مادّية وصندوقاً من المشروبات الروحية، فأخذ الجائزة المادّية ورفض صندوق المشروبات.
•العمل في مراقبة الحدود:
بعد أن قدّم الشيخ فريز استقالته من قوة الدفاع أعلنت السُّلطة عن حاجتها إلى أربعة ضبّاط للعمل في دائرة الحدود والمهاجرة لمراقبة الجسور، فقدم طلباً، وتمّ اختياره واحداً من الأربعة حيث كان يحوز على الشروط المطلوبة لهذا العمل، وهي: إتقان اللغة الإنجليزية والعزوبة والعمل المكتبي.. وبعد دورة تدريبيّة تسلّم جسر اللّنبي عام 1942م ثم جسر المجامع عام 1944م ثم جسر بنات يعقوب، وفي عام 1946م نُقل إلى بيسان وتسلّم جسر الشيخ حسين.
وفي هذه المراكز الحدوديّة رأى الناس في الشيخ فريز نوعاً جديداً ونموذجاً فريداً من ضباط الحدود غير ما ألفوا في الضبّاط السابقين وفي المراكز الأخرى.. فقد كان مثل هذا المنصب سبيلاً لجمع الأموال والثّراء.. وكثيراً ما كانوا يعرضون الأموال على شيخنا، فيلقّنهم درساً في أخلاق الإسلام، ويعلّمهم أن جزاء الرّاشي والمرتشي نار جنهم.. وكان يعاملهم معاملة المسلم الصادق الأمين، ويساعدهم في إنجاز معاملاتهم.. ويلتزم في هذا كلّه بما فرضته شريعة الإسلام من حلال وحرام، لا ما فرضته سلطات الانتداب من أنظمة وقوانين لمراكز الحدود.
وفي عام 1947م تجدّدت الثورة في البلاد وبدأ الهجوم على المستعمرين البريطانيين بقيادة الشهيد المجاهد عبد القادر الحسيني.. وكان جسر الشيخ حسين المسؤول عنه الشيخ فريز مفتاحاً لتهريب الأسلحة للثوار من الضفة الشرقية وسورية بمساعدة الأمير محمد صالح الغزاوي.. ولم يبال الشيخ فريز بما يمكن أن يحدث له لو تسرّب إلى علم السلطات البريطانية شيء مما كان يجري ويتم.
ومن أنشطة الشيخ فريز في تلك السنوات التي عمل فيها ضابطاً في مراقبة الحدود، أن مسجد قرية صانور كانت تمرّ عليه فترات لا يوجد فيه إمام يخطب الجمعة ويصلي بالناس.. فكان يأتي إلى القرية في إجازته الأسبوعية ويخطب الجمعة ثم يعود إلى عمله.. وكان أهل القرية يجلّونه ويقدّرون له هذا النشاط.
وبقي الشيخ في بيسان حتى قٌبيل سقوط المدينة بيد اليهود عام 1948م، حيث تمكّن من مغادرتها إلى قريته صانور.
نشاطه وجَهَاده بَعد عام 1948م
•نشاطه في مدينة جنين:
عمل الشيخ فريز عام 1953م في مدينة جنين مسئولاً عن مكتب مشاريع تحسين القرى للواء جنين، واستمرّ في هذا العمل حتى عام 1967م حيث تم اغتصاب الجزء الباقي من فلسطين من قبل يهود..
وفي جنين اتسعت دائرة نشاطه، وأصبح بحكم عمله الجديد على صلة مباشرة بالقرى وأهلها.. وبعد أن كان نشاطه في الفترة السابقة نشاطاً وطنيّاً عامّاً، أصبح في جنين نشاطاً إسلامياً منظماً، وخاصة بعد أن أسّس نواة للحركة الإسلامية في المدينة هو ومجموعة من العلماء والدعاة، كان في مقدمتهم مفتي المدينة الشيخ توفيق جرّار والشيخ علي ململ والأستاذ محمد سعيد الحامد والأستاذ شفيق أسعد والشيخ محمد فؤاد أبو زيد والشيخ سعيد بلال، ومجموعة أخرى من الشباب المسلم في منطقة جنين.
وكان الشيخ فريز يقضي جميع أوقاته – بعد الدّوام الرسمي في الوظيفة – في نشاط إسلامي يقوم فيه بتربية الشباب على الإسلام، وعقد النّدوات والمحاضرات الفكريّة والتربويّة والتي كان يدعو لها نخبة من قادة وعلماء الحركة الإسلامية في الأردن، والزائرين من خارج الأردن( ).. ففي الوقت الذي كان في كثير من الناس – في الخمسينيات والسّتينيات من هذا القرن – مفتونين بالشّعارات والمبادئ المستوردة التي كانت تروّج لها دول ظالمة ومؤسّسات منحرفة.. كان الشيخ فريز ومن معه من الشباب المؤمن يقفون في وجه التيارات المنحرفة، يقارعون الرأي بالرأي والحجة بالحجة ويوجّهون أبنا ء منطقتهم إلى تعاليم الإسلام.
وكان يقوم بواجب الإصلاح بين الناس، ومساعدتهم في قضاء حوائجهم.. وكان يربي الشباب منذ صغرهم على الإيمان والاستقامة، ويرشدهم إلى عمل الخير.. فكانوا في الأعياد يقومون بجولات في شوارع مدينة جنين وفي القرى الكبيرة، يجمعون القرش الخيري، ويقومون بتوزيع ما جمعوا على الأيتام والأسر الفقيرة.
ومن النشاطات الخفيّة التي كان يقوم بها هو ونفر من إخوانه الدّعاة ومحّبي الخير.. تقديم إعانات شهريّة لعائلات مستورة في المدينة.. كانوا يقومون بهذا العمل وينفقون من رواتبهم على قلّتها بدون ضجّة ولا إعلان يبتغون بعملهم وجه الله ورضوانه..
ولما دخل الشيخ سجن جنين، وانتظرت تلك العائلات من يعينها، ومضى شهر إثر شهر ولم يتفقّدها أحد، بدأت تسأل عنه وعرف الناس الأمر، وارتفعت الأيدي إلى الله بالدّعاء بأن يفرّج عن الشيخ سجنه، وأن يهلك الظالمين.
•في سجن جنين:
كان الشيخ خلال إقامته في جنين يقدّم النصائح للمسئولين وللمواطنين ويدعوهم إلى تحكيم شرع الله، ويبّين لهم أن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أوّلها..
ولا بدّ لرجل يسير في طريق الحق، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. لا بدّ أن يصيبه شيء من الأذى..
وبمناسبة أوّل مهرجان أٌقيم في جرش عام 1960م، قام العلماء والدعاة في عدد من المدن بإرسال البرقيات التي تحمل النصيحة والاحتجاج على إقامة مثل هذه الحفلات.. وقام الشيخ فريز وعدد من دعاة الإسلام والوجهاء في مدينة جنين بتقديم النصائح للمسئولين وإرسال برقية لجلالة الملك جاء فيها:
إن إقامة الحفلات الراقصة تحت إشراف الحكومة يتنافى مع قول جدّكم الأعظم (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..
وكانت النتيجة إلقاء القبض على عدد من الذين وقّعوا على البرقية وإيداعهم السجن.. ولما علم الشيخ فريز بما جرى عزّ عليه الأمر وخاصّة أنّ من بينهم من تقدّمت به السّن، فذهب إلى الحاكم الإداري في جنين وأخبره أنّه هو الذي كتب البرقية وأرسلها، وأنه يتحمّل المسئولية وحده، فآثر إخوانه على نفسه ودخل السّجن بوقف إداري من حاكم جنين لأجل غير مسمّى.. وقضى في السجن سبعين يوماً دون محاكمة..
وجاءه وهو في السجن من يقول له: لن تخرج من السجن إلا إذا قدّمت اعتذاراً لرئيس الحكومة، فكان جوابه: إنّ الذي قمت به كان طاعة لله عزّ وجل ودفاعاً عن الإسلام والمسلمين.. فإذا قدّمت اعتذاراً لرئيس الحكومة اليوم فماذا أقول للخالق سبحانه يوم أقف بين يديه!!
وفي السجن كان الشيخ يواصل نشاطه الإسلامي فيجمع المساجين ويصلي بهم الفرائض، ويعطيهم دروساً يوميّة في أخلاق الإسلام وتعاليمه، فاستقام عدد منهم غير قليل وتابوا إلى ربهم وابتعدوا عن فعل المحرّمات..
ويوم خروجه من السجن ودّعه قائد مقاطعة جنين وهو يقول: كنت أَتمنى أن تطول إقامتك عندنا أكثر، لأنّ وجودك هنا كان فيه الخير والنّفع والصّلاح للجميع.
•نشاطه في عمّان:
في عام 1967م وقعت النكبة الثانية لفلسطين واحتل العدو اليهودي البقية الباقية من أرض الإسراء والعراج.. وكان الشيخ فريز في تلك الأيام في زيارة لعمّان، وحاول العودة إلى جنين فمنع من قبل السلطات اليهودية مما اضطره إلى استدعاء عائلته وأولاده إلى عمان..
وفي عمّان عمل مراقباً لتموين النازحين بوزارة الإنشاء والتعمير عام 1969م حتى عام 1970م.. وفي عام 1971م عُيّن واعظاً بوزارة الأوقاف، ثم عُيّن عام 1979م مراقباً عامّاً لمساجد العاصمة عمان، واستمرّ في عمله حتى منتصف عام 1983م حيث قدّم استقالته من العمل.. فقد تقدّمت به السن وأكرمه الله بأبناء بررة كفوه حاجة الوظيفة وتفرّغ لأعمال الخير..
وعاش في عمان دائب النشاط، جمَّ الحيوية، يزور إخوانه ويتفقدهم.. يعظ الناس في المساجد ويربّي الشاب منذ يفاعتهم على الإسلام.. فكان أباً رحيماً للصغير وأخاً شفيقاً للكبير.. يقصده الناس في حاجاتهم فيجدون خير معين.. وصدق من قال: خير الناس أنفعهم للناس.
كان للشيخ فريز موقع اجتماعي متميز، ودور مشهود في عمل الخير وخاصة في جنين وفي عمان.. فعندما تأسّست لجنة أموال الزكاة في محافظة جنين عام 1985م.. وكان في مقدّمة المؤسّسين الشيخ توفيق جرار مفتي جنين، والشيخ محمد فؤاد أبو زيد، والشيخ أحمد كمال السّعدي، والشيخ زيد زكارنة، وإخوانهم من أعضاء لجنة الزكاة.. كان الشيخ فريز عمدتهم في عمان، ويشاركهم في جولة الخير التي كانوا يقومون بها في بداية شهر رمضان من كل عام، بزيارات لعدد من دول الخليج العربي.. وقد بارك الله في نشاطهم، فتمكنوا من بناء عدد من مؤسسات الخير، مثل مستشفى الرازي، ومدارس الإيمان، ودور تحفيظ القرآن، وكفالات الأيتام والأسر الفقيرة.
وفي عمان كان الشيخ يقوم بعدد من النشاطات الدعوية والاجتماعية، ومنها مشاركة إخوانه في جمعية المركز الإسلامي وخاصة في الزرقاء بالقيام بجولات في بلدان الخليج العربي وجمع التبرعات لبناء مؤسسات الجمعية.
•لقاء وحوار:
التقيت بالشيخ فريز في الشهر السابع من عام 1986م في مدينة عمان بالأردن، وأجريت معه حواراً عن القضايا والأحداث التي عاصرها وشاهدها في فلسطين والبلدان العربية.. وسجّلت هذا الحوار على شكل أسئلة وأجوبة...
السؤال الأول: منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين – على أثر سقوط الدولة العثمانية – قام العرب بعدة ثورات ولكنهم لم يُوَفّقوا فيها.. فما هي الأسباب في نظركم؟
الجواب: لأن البناء الذي لا يقوم على أساس صلب يوشك أن ينهار.. لقد تفرّق العرب بعد انهيار الخلافة الإسلامية الممثّلة في الدولة العثمانية وذلك على أثر تحالفهم مع الحلفاء الذين منّوهم بوعود خلاّبة منها قيام دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية، فقام العرب وساعدوا الحلفاء على قتل الأتراك وطردهم من بلاد العرب. ولما تمّ للحلفاء ذلك مزّقوا بلاد العرب إلى دويلات تحت الانتداب البريطاني والفرنسي وأقاموا بينهم الحدود إمعاناً بقطع كل بلد عربي عن الآخر.. وقامت حكومات هزيلة متناحرة يكيد بعضها لبعض كما يريد المعلّم، متناسين قول الله عزّ وجل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: 113].
السؤال الثاني: بعد أن استقلّت الدول العربية وخرجت جيوش المستعمر من أراضيها.. لماذا لم تتّحد مع بعضها البعض وتكوّن قوة واحدة ضد الأعداء؟
الجواب: لقد عني المستعمر أثناء الاحتلال بتربية جيل حسب المنهج الغربي الذي قلب المفاهيم رأساً على عقب، فانسلخ الكثير من أبناء العرب عن عاداتهم وتقاليدهم وأصبحوا ينظرون إلى أمتهم من خلال المنظار الأسود الذي أُهدي إليهم من الغرب فكانوا أخلص إلى المعلّم منهم إلى أُمَتهم وبلادهم ودينهم. فأصبح هؤلاء ومنهم الحاكم والطبيب والمهندس والقانوني هم أهل الحلّ والعقد في البلاد فأفسدوا من حيث أرادوا الإصلاح لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فكثرت المدارس وتعدّدت الانتماءات وأصبح كل حزب بما لديهم فرحين(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [فاطر: 8].
والأمثلة كثيرة على ما ذكرت.. فهاهم أصحاب المدرسة الواحدة من أتباع ميشال عفلق متخاصمون أشدّ الخصام وهم ينادون بالشعارات الخلاّبة «وحدة – حُرّيّة – اشتراكية»، ويقتل بعضهم بعضاً.. وهم الذين حاربوا دين الله مدة طويلة، واستمالوا كثيراً من الشباب بتلك الشعارات البرّاقة. وما زالوا يكيدون لهذا الدين ويحاربونه وهم أبناء جلدتنا ويتكلمون لغتنا وهم الذي قال قائدهم: «انتفضت العروبة في السابق فأخرجت العبقري محمد، ولما انتهى دوره انتفضت مرة أخرى فأخرجت عبقري القرن العشرين»- أي قائد الحزب -.. وليس في أتباعه من يفكر أو يكون من الراشدين فينظر بما قام عليه العبقري الأول حسب قول العبقري الثاني.. لقد قام العبقري الأوّل بجمع كلمة الأمة على كلمة سواء فوحّدهم بعد أن كانوا متفرقين وأعزّهم بعد ذلّ طويل وأغْناهم بعد فقر مبين وأخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، فجابوا الأرض وخلّصوا الشعوب من ظلم الحكام والجبابرة وأناروا قلوبهم بنور الهداية والمعرفة، وهزموا أكبر وأعظم دولتين مماثلتين للدولتين الأعظم في هذا الزمن، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً..
أما عبقري القرن العشرين فزّين للأمة صنم القومية وجعلهم يعبدونه من دون الله، وسلّط بعضهم على بعض وتنازعوا السلطة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم وصدّهم عن السبيل القويم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وتفرّق القوم أيدي سبأ.. وتبدّلوا من بعد جمعهم فرقة ومن بعد عزّهم ذلاً ومن بعد قوتهم ضعفاً، وأصبحوا عبيداً للشرق والغرب يبيحون المنكرات ويتبعون الشهوات، وينعتون أهل الإيمان بالرجعية والتخلف ويكيلون لهم التهم ويصفونهم بعملاء الاستعمار لينفروا الناس منهم، ويصفون الدّين بأنه المخدر (أفيون الشعوب)..
لقد استطاع رائد القومية العربية أن يخرج الناس من دين الله أفواجاً حتى أن البابا أهداه وسام القدرة الفائقة قائلاً له: «إن الذي عجز عنه المبشرون عدة قرون استطعت أن تفعله في ربع قرن».. والناس في غفلة بل في سبات عميق.. ولكن الله كشف زيف المتربصين ورد كيدهم إلى نحورهم(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنبياء: 18]، وتبيّن للأمة أن الذين كانوا يدّعون أنهم جاءوا لإنقاذ البلاد وإسعاد العباد،وأنهم حماة الثورة والقضية الفلسطينية هم الذين تآمروا على الثورة للقضاء عليها، وهم الذين فرّقوا ومزقوا الثورة وضربوها في البقاع وفي طرابلس وفي سورية وعملوا على إخراج المقاتلين من لبنان وسورية لإبعادهم عن أرض المعركة.
السؤال الثالث: كانت ثورة 1936 – 1939م من أبرز الثورات التي قام بها أبناء فلسطين.. وقد برز خلالها عدد من القادة المجاهدين الذين حاربوا الأعداء من «يهود وبريطانيين».. ولكن هذه الثورة لم تحقق الغاية المرجوة التي قامت من أجلها.. فما هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى هذه النتيجة في نظركم؟
الجواب: عندما تجدّدت الاضطرابات في المرحلة الثانية من الثورة على أيدي قادة محليين تحت قيادة المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد، وظهر فيها عدد من رجال القسام رحمه الله مثل أبو خالد من سيلة الظهر وأبو دُرّة من سيلة الحارثية والشيخ عطية من بلد الشيخ وعارف عبد الرازق من طيرة بني صعب، وبدأت الاصطدامات مع الجيش البريطاني إلى أن وصلت تطويق مدينة القدس واحتلال المدينة القديمة لعدة أيام، ولم يستردّها إلا فرقة انتحارية من الجيش البريطاني دخلت إلى البلدة القديمة واحتلتها وألقت القبض على عدد من الثوار وفرّ الباقون بطريقة خفيّة..
بعدها بدأ البريطانيون يحيكون المؤامرات لضرب الثورة عن طريق أجهزة المخابرات بواسطة ذوي النفوس المريضة من رجال المخابرات العرب.. حيث قام هؤلاء بالاتصال بأمناء السر لقادة الثورة وقدّموا إليهم قوائم مزوّرة بعدد من زعماء العرب الفلسطينيين بأنهم يتعاونون مع سلطة الانتداب.. كما استعمل المسئولون البريطانيون خطة ماكرة أخرى، فكانوا يكتبون قوائم بأسماء يدّعون أنهم يتعاونون معهم، ويتركون هذه القوائم عمداً على مكاتبهم ليراها العمال العرب بعد انتهاء الدوام فيأخذونها إلى الثوار..
وحدثت فتنة نتيجة هذه الخدعة، وتم قتل عدد من وجوه البلاد بطريقة عشوائية، ووقعت الثورة في الفخ، ونفر بعض الناس منها وتعاون البعض مع الإنجليز.. وتمّ قتل قادة الثورة وهرب بعضهم من البلاد إلى سورية ولبنان.
وبعدها طلبت بريطانيا وفوداً من الدول العربية ووفداً يمثل أهالي فلسطين إلى عقد مؤتمر في لندن. وتم التشاور لتشكيل الوفد الفلسطيني الممثل للشعب.. وقد اجتمعت مع عدد من أعضاء اللجنة القومية في القدس للتّداول في هذا الأمر، وطلبوا أن أقدّم لهم رأيي في الموضوع فكان جوابي لهم كما يأتي:
إن أهل فلسطين في غالبيتهم يقفون مع سماحة المفتي الحاج أمين الحسيني .. وبنفس الوقت توجد مجموعة غير قليلة «المعارضة» تقف مع النشاشيبي.. ولا بد أن يُمَثّل الطرفان ولا بد من خلافهم في المؤتمر فتكون النتيجة الفشل..
لذلك أرى أنها فرصة لسماحة المفتي الحاج أمين الحسيني أن يخلع هذه الأمانة من عنقه ويضعها في عنق راغب النشاشيبي ليقوم بتمثيل البلاد، فيكون ذلك سبباً لجمع شمل الفلسطينيين وقهر العدو البريطاني والصهيوني، ويكون بنفس الوقت قوة بيد الوفود العربية التي كان يرأسها المرحوم الملك فيصل آل سعود – وكان أميراً في ذلك الوقت- ولكن أعضاء اللجان القومية أظهروا عدم الثقة بالنشاشيبي..
وذهب جمال الحسيني يمثل جانباً وفخري النشاشيبي يمثل الجانب الآخر.. وكانت النتيجة أن فشل المؤتمر وعادوا جميعاً بخفي حنين.. واستمر اليهود في استقبال المهاجرين والاستيلاء على الأراضي بمساعدة الإنجليز حتى انتهت الحرب العالمية الثانية.
ثم تحركت الثورة مرّة أخرى على نطاق ضيق.. ودخل جيش الإنقاذ إلى فلسطين وطلب من الأهالي أن يرتاحوا لأنه سوف يحرّر البلاد من أيدي اليهود.. وأعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب، ودخلت جيوش الدول العربية للمحافظة على الحدود على أساس قرار التقسيم الذي رفضه أهل فلسطين.. وكانت النتيجة المنتظرة أن أعلن اليهود دولتهم عام 1948م، وأخرجوا العرب من مناطق كثيرة وخاصة من حيفا ويافا واللد والرملة والمثلث.. وأسدل الستار على هذه التمثيلية.
السؤال الرابع: لقد تعرّض سماحة الحاج أمين الحسيني إلى هجوم عنيف في حياته وبعد مماته.. شارك في هذا الهجوم الأعداء والعملاء.. فما رأيكم في نشاط المفتي وجهاده من أجل فلسطين؟
الجواب: لقد تعامَلْت مع المفتي مباشرة من عام 1923م إلى عام 1937م، وبَقِيَت الصّلة قائمة بعد خروجه من فلسطين وحتى مماته رحمه الله.. وأشهد أن سماحة الحاج أمين كان من أخلص القادة والزعماء للقضية الفلسطينية.. ورغم المحاولات والإغراءات التي قام بها العدو والمعارضة لصدّه عن طريقه المستقيم ومحاولة عرقلة جهوده ببث الإشاعات حوله، فقد كان رجلاً شجاعاً يقول الحق ولو على نفسه.. ولقد قبل التشريد من وطنه على الخضوع لمطالب اليهود والإنجليز.. ولما استقر به المقام في مصر مكث فيها مدة طويلة وهو يأخذ الوعود الخلاّبة من حكومة الثورة، وأخيراً لمّا تبيّن له انحراف رئيسها ترك مصر إلى بيروت، وبقي يجاهد بنفسه وماله وقلمه إلى آخر لحظة من عمره، وقضى نحبه في بيروت ولم تلن له قناه، ومات شريفاً شهيداً أدّى الأمانة.. وأرجو الله أن يدخله جنّة الخلد مع النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
السؤال الخامس: هناك من يقول إن قضية فلسطين قضيّة إسلامية.. ومن يقول إنها قضية عربية.. ومن يقول إنها قضية أبناء فلسطين!! فما رأيكم في هذه الأقوال؟
الجواب: إنّ قضية فلسطين قضية إسلامية.. ومع أن المؤرخين المحدثين للثورة الفلسطينية تجاهلوا هذه الحقيقة، إلا أنهم لو رجعوا إلى الوراء قليلاً لوجدوا أن القضية إسلامية منذ بداية المؤامرة التي طلب فيها الوفد الذي قابل المرحوم السلطان عبد الحميد عندما كان خليفة للمسلمين السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وحاول إغراءه بالذهب والأموال الطائلة، لكن عقيدته وصدقه مع الله منعه من المساومة على القضية وقال للوفد كلمته المشهورة: «إن أرض فلسطين هي ملك لجميع المسلمين وليس لأحد أن يساوم عليها، وماذا أقول غداً لله عند لقائه!! هل أقول له فتحها عمر بن الخطاب وسلّمها عبد الحميد لأعداء الله.. أخرجوا هذا الخنزير من عندي – يعني هيرتسل اليهودي-».
ثم جاء الإنجليز بعد احتلالهم لديار المسلمين وأعطوا اليهود الوعود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين..
وبقيت القضية إسلامية، وقام الشيخ القسام بفتح باب الجهاد عام 1935م واستشهد في سبيل الله.. وتابع الحاج أمين الحسيني الجهاد ابتداء من ثورة 1936م، وكان قبلها قد عقد المؤتمرات الإسلامية وجمع قادة المسلمين من جميع الأقطار الإسلامية، واختاروه بالإجماع رئيساً للمؤتمرات الإسلامية، واتخذوا القرارات بأن قضية فلسطين قضية إسلامية تخص جميع المسلمين وليست قضية عربية ولا فلسطينية.. واستمرت الثورات متلاحقة حتى تمكن الإنجليز من تشريد الحاج أمين من القدس. وبدأ ت الحرب العالمية الثانية وانتهت وكان سماحته ومعه المجاهد الكبير عبد القادر الحسيني يعدّون العدة في ألمانيا مع هتلر ويدرّبون المجاهدين.. وعادت الثورة بقيادة المجاهد عبد القادر الحسيني وتأييد الحركة الإسلامية في البلدان العربية إلى القتال والدفاع عن بيت المقدس وفلسطين إلى أن استشهد المرحوم عبد القادر الحسيني، فبدأت الدول العربية تقزّم القضية خصوصاً الدول القومية والاشتراكية فحولتها إلى قضية عربية ثم تحولت إلى قضية أهل فلسطين فقط.. وهذا ما قصد إليه المستعمرون واليهود، وهو إبعاد الأمة الإسلامية عنها أولاً ثم جَعْلَها قضية عربية ثم تقزيمها إلى قضية فلسطينية.. وبذلك تمّ لأعداء الله تقسيم الشعب الفلسطيني إلى فئات متناحرة ثم إلى جبهات متخاصمة تنقضّ بعضها على بعض كما حصل في سورية ولبنان.. وكانت النتيجة ما وصلنا إليه من حيرة وخذلان.
وبعد أن فشلت جميع المحاولات في حلّ القضية فلا بدّ من تقييمها من جديد ولا بدّ من التفكير في أسباب الخطأ والانحراف.. ولا بدّ أن تعود القضية قضية إسلامية لأن الطريق الوحيد لحلّها هو الجهاد في سبيل الله الذي تعطّل هذه المدة الطويلة التي كان القادة فيها يفتشون عن الحلول الشرقية والغربية والقومية والاشتراكية..
أقول .. لن يجد الناس سبيلاً إلى تحرير فلسطين إلاّ الرّجوع إلى الله القوى العزيز (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)
[الصف: 10 - 13].
أبرز صفاته:
الشيخ فريز رجل مسلم نشأ في طاعة الله.. وإنسان مؤمن تجسّدت مبادئ الإسلام في سلوكه، وترجمت فضائله في حركاته وسكناته.. عاش ورعاً تقياً صابراً، مخلصاً لدينه ووطنه، محبّاً لله ولرسوله.. زهد فيما عند الناس فأحبّوه، وتواضع لهم فوقّروه.. فكان مثال الخلق الطيب، والالتزام الجادّ، والتعامل الفاضل..
عاش بارًّا بأهله وأسرته.. يتفقّد أحوالهم ويقضي حاجاتهم ويحسن معاملتهم ويكثر من زيارتهم..
وعاش باراً بأقاربه وأرحامه... يلتقي معهم ويقوم بواجباتهم.. يزور مريضهم، ويعين فقيرهم، وينتصر لضعفيهم، ويصلح ذات بينهم.. يؤلّف بين قلوبهم، ويعفو عنهم إن أخطأوا، ويقترب منهم إن ابتعدوا، ولا يقاطعهم مهما وقع بينه وبينهم من خلاف.. قام مع نفر منهم بافتتاح ديوان للعائلة، وداوم على الجلوس فيه كل يوم، وأخذ يتعدّهم بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وعاش معهم أخاً وصديقاً للكبير والصغير.. تشيع المحبة في نفسه، وتتدفق الرّحمة في عينيه، وتجري المواساة على لسانه ويديه..
وعاش بارّاً بأبناء قريته.. يحترمهم ويقدّرهم ويحسن إليهم.. يعودهم إذا مرضوا، ويهنئهم إذا فرحوا، ويعزيهم إذا أصيبوا، ويساعدهم إذا احتاجوا.. يرعى جانبهم ويحمي حماهم، ويصفح عن زلا ّتهم، ويسدي لهم المعروف، ويرشدهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.. كان يزورهم في إجازته الأسبوعية وخاصة عندما كان يعمل بعيداً عنهم في القدس وبيسان، وكانوا ينتظرون قدومه ويأنسون بلقائه..
وعاش بارّاً بإخوانه في الدّعوة.. يُكثر من زيارتهم، ويديم الصّلة بهم، ويحضر مجالسهم، ويحرص على البِشْر عند لقائهم، وكان يتفقّدهم ويذكرهم بخير، ويؤثرهم على نفسه..
وعاش بارّاً بأبناء مجتمعه.. رحيماً بهم، ليّناً معهم، بشوشاً سمحاً حليماً.. يحب لهم النفع، ويكره لهم الضّرر.. يرحم الصغير ويوقّر الكبير.. يعود المريض ويواسي الضعيف، ويشعر بالسّرور إذا استطاع أن يخدم غيره.. ويبادر دائماً إلى فعل الخيرات.
وقد كان لهذه الصفات الطيبة دور كبير في حبّه للناس، وحُبّ الناس له.. الناس الذين عرفهم وعرفوه، أو سمعوا به.. فكانوا يسألون عنه دائماً، وما زالوا يذكرونه بخير..
لقد كان له من اسمه نصيب.. فإذ كانت كلمة فريز تعني «المتميّز من الرجال»، فحقاً لقد كان في مقدّمة المتميّزين..
إنّي لأحسِبُ أن رسول الله يعنيه فيمن كان يعني في حديثه عن الذين يحبهم الله تعالى حيث قال علية الصلاة والسلام: «إنّ الله تعالى إذا أحبّ عبداً دعا جبريل فقال: إنّي أُحبُّ فلاناً، فأحببه، فيحبّه جبريل، ثم ينادي في السّماء فيقول: إنّ الله يُحبُّ فلاناً فأحبّوه، فيحبّه أهل السّماء، ثم يوضع له القبول في الأرض»( ).
وفاته يرحمه الله:
كانت وفاة الشيخ فريز – رحمه الله – مساء يوم 13/7/1409هـ الموافق 19/2/1989م، في المستشفى الإسلامي بعمان عن عمر بلغ ثمانية وسبعين عاماً، قضاها في الدعوة إلى الله وتربية الشباب على الإسلام والإصلاح بين الناس وعمل الخير.. وتمّ تشييع جثمانه الطاهر بعد صلاة ظهر يوم الاثنين 20/2/1989م من مسجد ضاحية الروضة إلى مثواه الأخير في المقبرة الإسلامية بسحاب..
وقد شهدت جنازته المهيبة حشداً كبيراً من قيادات وأبناء الحركة الإسلامية، وحضوراً شعبّياً من عمّان وعدد من بلدان الأردن.. واستقبل ديوان آل جرّار في عمّان الجموع الغفيرة، التي توافدت عليه للعزاء.. والتي كانت تدعو الله للفقيد الغالي علوّ المنزلة في الجنة، على ما قدّم لدينه ووطنه وأمّته.
كلمات تقدير ووفاء:
•كلمة الأستاذ يوسف العظم – بعنوان: «رثاءٌ لا رياء»( ):
كان الشيخ فريز جرّار من العاملين الصّامتين!
حين وقفت على قبره مع المودّعين المشّيعين يرحمه الله، حملتني الذكريات بعيداً عن مقبرة «سحاب» لاستقر في مدينة جنين وأراضيها الممتدة، وأقف في محراب مسجدها الكبير وقاعة «الدار» التي كانت تجمعنا في الخمسينيات وهو واقف ببابها يستقبل القادمين من القدس والخليل ونابلس وعمان والسلط وإربد والكرك والطفيلة ومعان يستقبلهم مُرحّباً بالقادمين لحضور محاضرة لأخ داعية أو حديث لعالم جليل، وليرافق الجمع بعد ذلك إلى الخطوط الأمامية لمشاركة إخوانهم في مأساة العصر ومواساتهم فيما أصباهم من مؤامرة الشياطين!
وكان يحدثنا حديث المطلع العارف بأبعاد المؤامرة وعمق المأساة كيف سلبت فلسطين من شعب صاحب حق فيها إلى شذاذ من شعوب عدة لا حق لهم في ذرة من ترابها ولا نسمة من هوائها وكان يسهم مع الزوار والمواسين في توزيع المعونات التي جادت بها نفوس الأفراد الصالحين والجمعيات الخيرية لعلّ في ذلك ما يحجم المأساة أو يؤجل وقع الكارثة إلى أن يلتئم جمع الأمة ويلتحم صفّها فتفعل ما يمليه عليها الدين وما تفرضه روح الإيمان وكرامة المسلمين.
ومرت أيام.. وشهور.. وسنوات كنت خلالها على صلة وثيقة به وبالعمل العام للإسلام وللقضية الفلسطينية الأم. ثم لقيت الرجل في عمان مستقراً مع من رحلوا من جنين ولكن قلبه ولسانه مع جنين وفلسطين وعينه على الأرض التي بارك الله حولها وكان كما عهدته شامخاً بقامته الطويلة لم ينحن للظلم الذي وقع ولم يذل كبرياؤه لكل المؤامرة أو يعترف بها وهو هو المصرّ على أنّ فلسطين كلّ فلسطين هي الأرض التي بارك الله حولها وأنها بكامل ترابها رحاب الأقصى المبارك.
وتقدّمت به السّنون فكنا نلقاه في كل مناسبة فيها دعوة لخير أو لقاء على الحق والهدى فلا نسمع منه إلاّ الكلمة الطيبة والتسبيحة الخاشعة والذكر الذي يجعل لسانه أبداً رطباً بذكر الله.
وكانت أخر مرة لقيته فيها في بيته بعمان وحوله أبناؤه الذين ربّاهم على التقوى ونشّأهم على صالح العمل وكانوا حوله يحيطون به كأحسن ما يحيط الأنباء البررة بالأب الصّالح.
كان حديثه كما سمعته في الخمسينات ما زال هو. هو عن البرّ والتقوى والجهاد والاستشهاد والإسلام والأقصى وفلسطين إلى أن علمت بالتحاقه بالرفيق الأعلى، وترجّل الفارس الذي أسلم الرّاية لجيل من أبنائه من بعده وهو يوصيهم بحب الله ورسوله والتعلق بكل ذرة تراب من تراب فلسطين.
سلام على الشيخ فريز جرّار لما حفظ من عهد وصان من أخوّه ودعا إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وغفر الله له ورحمه، وعزاء لنا جميعاً ولأسرته وأبنائه وجميع المحبّين.
•كلمة الدكتور مأمون فريز جرّار.. بعنوان: «أبي هل أنت في الفردوس الأعلى»؟( )
قد يثير هذا السؤال عجب القارئ لأنه سيتساءل عن سببه وسره
وأبادر إلى الجواب: في هذا اليوم تمر ذكرى وفاة والدي رحمه الله في 19/2/1989
وقد زار رحمه الله الرياض حيث كنت أعمل محاضراً في جامعة الملك سعود وكان أخي داود رحمه الله يعمل في الرياض كذلك..
وكان من دواعي زيارته حضور مناقشة رسالتي للدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ويومها حدثني عن رؤيا رآها قبل حضوره إلى الرياض حيث قيل له في تلك الرؤيا: يا فلان إنك في الفردوس الأعلى، وتعيش ثمانية وسبعين عاماً.
ومن الطريف أنه تساءل رحمه الله: لا أدري هل هذه السنين بالهجري أم الميلادي..
وقد توفي رحمه الله في عمان/ الأردن بعد ذلك بسنتين وتحقّقت النبوءة الأولى فهو من مواليد 1911م.
وعسى الله أن تكون النبوءة الأخرى قد تحققت.
لقد حرصت منذ أمسكت القلم عام 1964 على أن أكتب اسمي ثلاثياً فذلك بداية شرف لي أن يعرف الناس أنني ابن هذا الرجل الطيّب.
وثانياً ليبقى ذكره على الألسنة ما ذكر اسمي مكتوباً في كتبي وفي الصحف والمجلات أو مسموعاً في الإذاعة أو مرئياً في التلفزيون أو الإنترنت.
لقد رحل والدي رحمه الله منذ تسعة عشر عاماً ولكن ذكراه ما زالت حيّة في قلوب معارفه، وفي قلوب أبناء آل جرار الذين أجمعوا عليه في حياته قائداً للعائلة جمع كلمتها بحكمته وحنكته وتواضعه..
وكذلك ما زالت ذكراه حيّة في قلوب الدُّعاة إلى الله في الأردن وفلسطين، فقد كان من السابقين في جماعة الإخوان المسلمين..
ويكفي أن يراجع القراء ما كُتب عن الشهيد الدكتور عبد الله عزام ليروا في سيرته أنه تتلمذ على يدي الشيخ فريز جرّار وأذكر أن الشهيد عبد الله عزّام قد قبّل يد الوالد يوماً من الأيام وقال له: أنا حسنة من حسناتك..
وقد كان والدي رحمه الله مسؤولاً عن شعبة الإخوان المسلمين في جنين حتى عام 1967 وعضواً في مجلس شورى الجماعة..
وما تزال في ذاكرتي صورة الشهيد عبد الله عزّام وهو شاب وكان يعمل مدرساً في منطقة جنين وكانت صلته بالوالد صلة الابن بأبيه..
لعل مما ينبغي أن أذكره من مناقب الوالد رحمه الله أنه بالإضافة إلى كون الدّعوة إلى الله همّه الأول أنه كان سليم الصدر زاهداً في الدّنيا..
وكنت كلّما رأيته أتذكر قول الرسول عليه وآله الصّلاة والسلام لأصحابه على مدى ثلاثة أيام: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة وطلع في المرات الثلاث سعد بن أبي وقاص..
وكان من أسباب تلك البشرى ليس كثرة الصلاة والصيام بل سلامة الصدر من الغلّ والحقد على المسلمين..
وكذلك كان والدي رحمه الله
لم ينل والدي من حظوظ الدُّنيا كثيراً..
عاش مستوراً عزيز النفس ومات محمود السيرة عند الخلق.
ومن الأمور التي يجب أن تذكر أنه رحمه الله كان في مرض وفاته القصير يدعو للدكتور إبراهيم زيد الكيلاني الذي ربطته بالوالد الدّعوة وصلة النسب فوالدتي أطال الله عمرها وأعان على برّها من آل زيد الكيلاني..
وقد وافقت وفاة الوالد إجراء الدكتور إبراهيم عملية ديسك وكان ممنوعاً من الحركة، ولكنه حين بلغته وفاة الوالد رحمه الله عصى أمر الطبيب وشارك في الجنازة والعزاء وألقى كلمة طيبة في رثاء الوالد..
وممن رثاه كتابة في الصحف الأستاذ يوسف العظم رحمه الله
كما كتب عنه ابن العم حسني أدهم جرار فصلاً من كتاب تحدث فيه عنه وعن الشيخ فرحان السعدي والشيخ عبد القادر المظفر.
رحمك الله يا أبي وأحسن مثواك وبلّغك الفردوس الأعلى.
ولئن كنتَ أحببتَ أن أتخصّص في الشريعة الإسلامية وملتُ أنا إلى تخصص اللغة العربية ورجّح ميلي الشيخ يوسف القرضاوي أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية يوم زار الضفة الغربية عام 1966 ورافقته في تلك الزيارة في القدس والخليل ونابلس وألقيت قصيدة من نظمي قبل كل محاضرة من محاضراته التي ألقاها في دور الإخوان المسلمين، وقد احتكمتُ إليه في أمر التخصص فمال إلى رأيي.
أبي لئن تخصصتُ في اللغة العربية فلعلّي بما كتبتُ وما قدمتُ وأقدّم عبر الإذاعات ما تقر ربه عينك ويحقق ما كنت تسعى إليه من طلب الأجر..
ولئن فاتك أن تدرس الشريعة في الأزهر كما كنت ترغب وشغلك عن ذلك العمل للقيام بعبء الأسرة التي تركها الجدّ، والدك رحمه الله، وأنتم صغار وحقّقتَ ما كنت تطمح إليه في عون أخيك الشيخ توفيق رحمه الله الذي ذهب إلى الأزهر ونال شهادة العالمية فيه..
لئن فاتك ذلك فأرجو أن يكون ما كان من العمّ من الدعوة وما يكون مني في ميزان حسناتك..
رحمك الله وأحسن إليك
ولعل من يقرأ ما كتبت عنك يترحم عليك
رحمك الله
•كلمة الأستاذ أحمد الجدع.. بعنوان .. «علماء عرفتهم»( ):
كانت علاقتي بالشيخ فريز محمود جرار والشيخ المفتي توفيق محمود جرار علاقة وثيقة، يملؤها الودّ والمحبّة، وأستطيع أن أقول إنهما شيخاي في الدين، وجّها مسيرتي الإسلامية منذ الصّغر.
كان يمكن أن أكون بعثياً أو شيوعياً أو أي شيء آخر من أمثال ذلك، ولكن الله شملني برحمته فتقربت من الإخوان المسلمين في سنّ مبكرة.
كان الصّراع بين الفكرة الإسلامية والأفكار الغربية محتدماً، كنا في المدرسة في صراع دائم، هذا يقول بالقومية وذاك ينادي بالاشتراكية وأولئك يدعون إلى الكفر والإلحاد، وكان الإسلام هو السبيل.. وما سواه هي السُّبل، هذا ما أنزل الله في كتابه، وكل معسول من القول سواه فهو زور وباطل..
هكذا علّمنا شيخنا فريز محمود جرار، الإسلام هو الحق ولا حق سواه..
كان شديد الغيرة على الإسلام، لا يحتمل أن يضام أو يهان، وكان شديد الغضب سريع الانفعال إذا ما تطاول أحدهم على هذا الدين، وكان في أحيان – قليلة – يستعمل العصا في الذب عن دينه، لا يهمه إن كان أمامه كبير أو صغير.. دينه همّه ولا همّ له سواه.
وأذكر أنه ضرب رجلاً تطاول على رسول الله ، وحُبس الرجل، ولم يكن لأسرته من عائل بعد حبسه، فتكفل الشيخ بالأسرة حتى خرج الرجل من السجن. . وقد كان لهذا الموقف من الشيخ أثره على الرجل الذي عاد إلى رشده.
وأذكر أيضاً أنه أرسل برقية من جنين إلى عمّان يعلن فيها احتجاجه على مخالفة الحكومة لشرع الله فزج به في السجن، ومكث في السجن بضعة أسابيع كان خلالها مرشداً ومعلماً لمن في السجن، وعندما خرج كان المساجين قد أقاموا الصلاة بانتظام.
كنت طالباً عندما عرفت الشيخ، واحتجت لبطاقة شخصية لكي أسافر من جنين إلى الزرقاء، ولم تكن البطاقات تصرف للطلبة، ولكنه صرفها لي، وكان يؤمئذ يعمل في مكتب قائمقام جنين، وكانت هذه أول بطاقة أحملها.. ولا زلت أحتفظ بها.
كان في الصباح موظفاً وفي المساء داعية، كان يقضي وقت المساء في دار جماعة الإخوان المسلمين وكان يجمع حوله عدداً من الرجال يقومون بالدعوة كل حسب جهده وعلمه، وكان للجماعة في كل أسبوع درس في شؤون الحياة والدين، ينقلون هذا الدرس بالسماعات حتى يسمعه الناس ويستفيدوا منه.
ويشاء الله أن نلتقي ثانية بعد نكبة 1967م في عمان، ويشاء الله أن يكون مكتبي بجوار مكتب ولده أمين، فكان كثيراً ما يزروني ويجلس معي ونتجاذب أطراف الحديث، وكان كما عهدته مهتماً بالشأن الإسلامي وساعياً في نصرته.
عرفته وأنا طالب,, وعرفته وأنا مدرس، وقد مرّ ثلاثة من أولاده على المدرسة التي كنت أدرس فيها في جنين: داود ومأمون وأمين.. وكان اهتمامي بهم ورعايتي لهم وفاء لاهتمامه بي ورعايته لي.
عندما مرض مرضه الأخير ووصلت إلى عمان قادماً من الدوحة اتصلت به سائلاً: كيف أنت يا شيخ الشباب؟
قال ضاحكاً: من أنت.. هل أنت شيخ الشيوخ؟
زرته في منزله ولم أجد في مرضه ما يدعو إلى الخوف.. ولكنه ما لبث أن فارق الحياة رحمه الله وجزاه عني وعن دينه خير الجزاء.
مواقف وآراء لعدد من عارفيه:
الدّعاة ورجال الفكر والمحبّون الذين عاصروا الشيخ فريز وعرفوه عن قرب، واطّلعوا على نشاطه الميمون وجهاده المبارك كثيرون.. والذين تحدّثوا عن سيرة هذا الرجل، وكان لهم معه مواقف تحمل معاني الصدق والإعجاب والوفاء والتقدير أيضاً كثيرون.. وقد اخترت بعض هذه المواقف ودونتها في هذه الصفحات:
•مواقف لأهالي قرية صانور: كان الشيخ فريز يزور قريته «صانور» بمحافظة جنين في إجازاته الأسبوعية دائماً، عندما كان يعمل في مدينة القدس ومدينة بيسان، وكثيراً ما كان يذهب إليها عندما كان يقيم في مدينة جنين..
وكان أهل القرية – وخاصة كبارهم ووجهاؤهم – يقدّرونه ويجلّونه، ويسألون عنه دائماً، ويترقّبون قدومه إلى القرية، ويحبّون لقاءه، ويأنسون بالجلوس إليه.. وكان بعضهم إذا عرف موعد حضوره إلى القرية، يأتي إلى ديوان العائلة وينتظر وصوله..
وما زالوا إلى اليوم يذكرونه دائماً بخير، ويسألون عن أبنائه..
•موقف للشيخ الشهيد عبد الله عزام: تعرّف الشيخ عبد الله عزام على الداعية المربّي الشيخ فريز جرّار في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وأخذ يُكثر من زياراته لدار الجماعة في جنين، ويحضر الندوات واللقاءات التي كان يشرف عليها الشيخ فريز.. وصار الشهيد عبد الله عزام من أكثر الشباب نشاطاً ومشاركة في تلك النشاطات، وأخذ يكثر من الجلوس إلى الشيخ، ويصطحبه في كثير من الجولات لزيارة إخوانهم في الأرياف، وكان كثيراً ما يُبدي إعجابه بشيخه وبثباته في وجه التيارات المعادية للإسلام، والتي كان بلاؤها يعمّ كثيراً من الناس في المنطقة.. ويزداد إعجاباً به وهو يراه يؤثر إخوانه على نفسه أيام الشدائد والمحن، فيفتدي إخوانه في الدعوة ويدخل السجن في جنين سبعين يوماً، ويتحمّل عنهم مسؤولية موقف مشرّف من مواقف الدعوة في المنطقة.. كما كان يراه وهو يقضي جميع أوقاته – بعد الانتهاء من عمله الرسمي – في دار الجماعة يستقبل الشباب ويربيهم على الإسلام ويغرس فيهم حُبّ الجهاد والاستشهاد.. فكان يزداد تعلقاً به حتى إنه كان كلما لقيه يصرّ على تقبيل يده احتراماً ووفاء له – والشيخ يمنعه- ويقول لمن حوله: هذا هو الشيخ الذي رعانا وربّانا في الدعوة فكيف لا أٌقبّل يده.. وبقي على احترامه وإجلاله لشيخه طيلة مدة وجوده في الأردن، وكان لا يتقدّم عليه في الإمامة إذا حضرت الصلاة بل يأخذ بيده ليؤمّ الجميع..
ولما أجرى مندوب فضائية الأقصى السيد «حبيب أبو محفوظ» مقابلة مع أسرة الشهيد عبد الله عزام (حذيفة ووالدته أم محمد وشقيقته أم الحسن) وأذاعتها الفضائية «يوم الثلاثاء السابع من ذي الحجة 1430هـ الموافق 24/11/2009م.. كان من بين الأسئلة التي وجهها مقدّم الحلقة للشيخ حذيفة: مّنْ هم شيوخ الوالد في جنين – يرحمه الله- كان الجواب: كان شيوخه شيوخ آل جرار «الشيخ فريز والشيخ توفيق»، وقد كان يذكرهم دائماً لنا.
•موقف للشيخ الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني: كان الشيخ إبراهيم كثيراً ما يذكر صفات الشيخ فريز ونشاطه في جنين وعمان.. ومن مواقفه التي توضّح حُبّه وتقديره له ما حدث يوم وفاة الشيخ فريز.. ففي تلك الأيام أُجريت عملية دسك للشيخ إبراهيم في المستشفى.. وطلب منه الطبيب المختص أن يبقى مستلقياً على سريره في البيت لفترة زمنية حدّدها له، ومنعه من الحركة والمشي ريثما يلتئم الجرح.. ولمّا علم بوفاة الشيخ فريز، أصرّ على المشاركة في تشييع الجنازة ولم يعبأ بمخالفة نصائح الدكتور.
•موقف للأستاذ سعود أبو محفوظ – المدير العام لصحيفة السبيل: كنتُ أتردّد على صحيفة السّبيل في عمان وخاصّة في الفترة التي نشروا لي فيها ثلاثة كتب هي: كتاب «جنين والمخيّم.. الملحمة والأسطورة» عام 2002م، وكتاب «شهيد الفجر وصقر فلسطين» عام 2004م، وكتاب «صحابة مجاهدون في الأردن وفلسطين» عام 2006م..
وفي إحدى زياراتي لمقرّ الصحيفة سألني الأستاذ سعود أبو محفوظ فقال: لماذا لم تصدر كتاباً خاصاً عن آل جرّار؟ قلت: لقد كتبت عنهم في بعض كتبي مثلما كتبت عن غيرهم.. فقال: إنهم يستحقون كتاباً خاصّاً بهم.. وواصل كلامه قائلاً: لقد اطّلعت على عدد من كتب الرّحالة الأجانب الذين زاروا بلاد الشام أيام السّلطنة العثمانية.. وقرأت لهم كلاماً عن شيوخ آل جرّار لم يقولوا مثله عن أحد غيرهم في بلاد الشام.. وإنّي أرى أن تفرد لهم كتاباً خاصاً بهم.. ثم قال: وحتى في زماننا المعاصر، ما زال بين شيوخهم من يستحق أن يُكتب عنه، وأذكر لك مثالاً.. ألم يكن الشيخ فريز - رحمه الله- شيخاً لآل جرّار؟ قلت: نعم.. قال: إنّنا في الحركة الإسلامية نفتخر بأن الشيخ فريز شيخ آل جرّار.. من قادة الحركة الإسلامية ومؤسّسيها في الأردن.
المراجع:
1-مذكرات الشيخ فريز جرار – مخطوطة في عام 1404هـ الموافق 1984م.
2-أحمد الجدع: أدباء وعلماء عرفتهم، عمان، 2008م.
3-حسني جرّار: أعلام الجهاد في فلسطين، الكتاب الثالث، 1988م.
4-حسني جرّار: الشهيد عبد الله عزام رجل دعوة ومدرسة جهاد، عمان، 1990م.
5-زياد عودة: عبد الرحيم الحاج محمد «بطل.. وثورة»، 1984م.
6-صالح مسعود بو يصير: جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، 1969م.
7-عزة دروزة: حول الحركة العربية الحديثة، جـ3.
8-مصطفى الدباغ: الموجز في تاريخ الدول الإسلامية وعهودها في بلادنا فلسطين، جـ 2.
9-مقابلة مع الأستاذ سعود أبو محفوظ في عمان، عام 2004م.
10-مقابلة مع الشيخ فريز جرّار في عمان، عام 1987م.
11-صحيفة الدستور الأردنية في 21/2/1989م.
12-مدونة د. مأمون جرّار: (مكتوب) على الإنترنت.
09/03/2018 03:52 am 3,221