معركة تحرير جنين عام ١٩٤٨ م.

وددت ان انهي بمقالي هذا ،سلسلة ما كتبته ونقلته من ذكريات ومذكرات خطها بيده المرحوم باْذن الله ، طيب الذكر الزعيم الوطني الفلسطيني الجنيني الاصيل الحاج عبد الرحيم عِوَض ابراهيم آغا جرّار (ابو جرير) كما عاصرها وشهد أحداثها،، وكلي شكر وامتنان للأخ والصديق العزيز جرير عبدالرحيم جرّار على ثقته الغاليه بأئتماني على هذا الارث التاريخي القيم ،لأنشر ما استطبع منها ،،وإن شاء الله نجدها قريبا منشوره كاملة ، في كتاب يتضمن المذكرات والسيره الذاتية لهذا الزعيم الوطني المتميز مع ذكرياته الزاخرة بالاحداث المفصليه والمواقف التاريخيه الهامه عن حقبة زمنيه هي الأهم في تاريخ جنين والمنطقه ، عاشها ومارس العمل الميداني فيها ، كفلسطيني اردني عربي ،مخلص لها وأمين على تاريخها وتراثها ... ..                                                                 

معركة جنين عام ١٩٤٨م..

في ليلة الثالث من حزيران عام ١٩٤٨م.وبعد منتصف الليل تسللت قوات يهوديه نحو مدينة جنين من ثلاث محاور.
١-المحور الاول ..تقدمت قوه يقدر عددها بالف محارب ،وكانت تسير غرب المدينه ما بين القلعة (عمارة البوليس )ووادي برقين ،بجوار سكة الحديد التي بناها الأتراك وتصل الى العفوله وحيفا وببيسان..وكانت ترافقهم سيارتي جيب تحمل الذخائر ومدافع الهاون والرشاشات التي كان يتألف منها سلاحهم..وانتشرت هذه ألقوه فوق جبال برقين في منطقة الشيخ سبع حتى مشارف الطريق الموديه الى نابلس وأحاطوا بالمدينه من الناحية الجنوبيه ..
٢-المحور الثاني.. تقدمت قوه مؤلفه من نفس العدد تقريبا من قرية عرانه القريبه من جنين واحتلت المقبره الشرقيه ومدرسة الذكور الثانويه فيها.
٣-المحور الثالث..تقدمت قوه تقدر بألفين من الجهه الشماليه بسياراتها وجنودها عبر الطريق الرئيسي المودي الى مستعمرة العفوله ومدينة الناصره .هذه ألقوه لم تتقدم الا بعد ان طوقت الفرقتين الاولى والثانيه المدينه في آخر الليل.
كان هدف الفرقه الأولى منع الإمدادات من القرى القريبه الكبيره والكثيرة العدد والسكان مثل قباطيه،برقين ،يعبد ،عرابه ،كفر راعي السيله،وقرى مشاريق الجرار..
اما هدف الفرقه الثانيه فكان دخول المدينه من الجهه الشرقيه كما كان نفس الهدف للفرقه الثالثه..وهذا ما ظهر جليا بعد نهاية المعركه ، ومن الخرائط التي غنمها الجيش العراقي من قوات الهاجناه الهاربه..
وضع المدينه الدفاعي:-
كان في عمارة البوليس (القلعة)بطاريتي مدفعيتين (عشرون رطلا) مع حاميه من الجيش العراقي قدمت للمدينه قبل الهجوم بأسبوع تقريبا بقيادة المقدم في ذلك الوقت (نوح) قائد الحاميه.،وكانت في النهار تخرج المدافع الى خارج القلعه وفِي الليل تدخل الى داخلها ،وكما علمنا بانتظار قدوم باقي القوات العراقيه للمدينه ...
بالنسبه للمناضلين ،كان في المدينه قوه من المناضلين تقدر بحوالي (٧٠) من مختلف القرى والمدينه وبقيادة المناضل محمد مثقال جرار ،سلاحهم البنادق المختلفه وعتادهم محدود الكميه ،استطاعت هذه ألحفنه من المناضلين بالحفاظ على المدينه والحيلولة دون احتلالها من القوات اليهوديه من الجهه الشرقيه حيث تتواجد المقبره والمدرسة الثانويه،وقد استشهد في ليلة الهجوم وصباح اليوم الثالث من حزيران عشرون مناضلا،حيث اوشكت الذخيره على النفاذ من أيدي المناضلين..اما وضع اهل المدينه فقد هرب معظمهم عبر الطريق الموديه لنابلس والتي تركها اليهود مفتوحه ليجلي اهل المدينه ، ولَم يبق في المدينه سوى المناضلين والحامية العراقيه التي تحصنت داخل القلعه وكثير من السكان المجاورين للقلعه ،لجأوا اليها للحمايه..كانت طلائع الجيش العراقي قد وصلت ليلة الهجوم الى غور الجفتلك ووجهتهم قطاع طولكرم ،ولما اتصلت بهم لاسلكيا الحاميه العراقيه في جنين،غيروا وجهتهم الى المدينه لانقاذها ،وانقاذ الحاميه العراقيه المحاصره فيها..وفِي تمام الساعه الثامنه من صباح ذلك اليوم وصلت جحافل الملكه عاليه العراقيه بقيادة العقيد الركن صالح زكي الى مفرق قباطيه برقين حنين ،ونصبوا مدافعهم حيث قبور شهداء الجيش العراقي الان..وقد شاهدتها انا بام عيني هناك ،وتقدمت سريتان الاولى بقيادة المقدم عمر علي وبعد ان استعرض سريته وتحدث معهم كلاما مؤثرا بالعربيه عززه بآيات من القران الكريم ومن ثم باللغة الكرديه لان كثيرا منهم كانوا من الأكراد ،واستل مسدسه وسار في مقدمتهم لتحرير المدينه من الجهه الشرقيه ..
اما الثانيه فكان يقودها شليحون الآشوري حيث تقدم بسريته نحو جبال برقين المطله على المدينه والتي تواجدت عليها القوات اليهوديه .
وكان بين القوات اليهوديه المتحصنة على الجبال وبين القوات العراقيه عدد من المناضلين جاؤوا من قرى قباطيه وعرابه ويعبد وقرى المشاريق الجرار،حيث كنت ترى مناضلا يحمل بندقيه ومعه عتاد وآخرين مسلحين بالسيوف والخناجر والمسدسات ..
اسم الفوج الذي حرر جنين فوج النمرود وهو 
 من اشجع الأفواج في جحافل الملكه عاليه ..وقد تم التعاون بين القوات العراقيه والمناضلين الذين قاموا بإرشاد الجيش الى المواقع اليهوديه ،وللاسف الشديد قدم الجيش العراقي لتحرير مدينة جنين لا يحمل خريطة واحده لمعرفة المنطقه بالدقه اللازمه...
وعندما بدأت المدفعيه العراقيه بدك مراكز العدو هربوا هائمين مندحرين من حول المدينه منسحبين ،ودامت المعركه طيلة ذلك اليوم ولَم يات المساء الا والقوات العراقيه قد احاطت بالمدينه من جميع الجهات وانسحب جيش الهاجانا تاركا في الجبال وسهول مدينة جنين وبرقين ما لا يقل عن الف قتيل ..وقد غنم الأهلون و الجيش العراقي اسلحه كثيره معظمها من الاسلحه التشيكية الجديده و الحديثه .. 
 وبعد تحرير مدينة جنين وانقاذ حامية الجيش العراقي فيها بأيام فرضت هيئة الامم هدنتها الأولي في فلسطين والتي دامت ٢٨) يوما ،وكان باستطاعة الجيش العراقي الاستمرار في المعركه ،ولكن الأوامر كانت تصدر اليهم بالتوقف وكنا نسمع من ضباطهم الذين عرفناهم فيما بعد يقولون(ماكو أوامر) ،وكانوا يتعطشون للقتال وخصوصا بعد النصر الذي أحرزوه في معركة جنين ..أقام الجيش العراقي في مدينة جنين عندما دخلوها حكما عسكريا ،وقد اتخذ قائد الجحفل صالح زكي نادي آل جرا وكنت سكرتيرا له مقرا للحاكم العسكري لوقوعه في وسط المدينه وعين قائد الجحفل اثنين من اهل جنين مساعدين للحاكم العسكري وليكونوا صلة الوصل ما بين الجيش والأهالي وقد وقع الاختيار علي ( عبد الرحيم جرار) وعلى الاستاذ رشيد مرعي وهو من معلمي المدرسه الثانويه اي زميلي..وفِي خلال الشهر الاول من الهدنه الاولى تعارفنا على معظم الضباط وكان اول حاكم عسكري هو الرئيس سالم عبد الرزاق (قائد مدرعات) ومن الضباط الذين عرفتهم عمر علي وشليمون (الآشوري) وهما بطلي تحرير المدينه ..وقائد الجحفل صالح زكي وكان برتبة عقيد وهو كردي الاصل ،اشهد له بالشجاعة والحكمه..ومن الضباط محمود شيت الخطاب ،من الموصل،وكان رئيس اول ركن .والرئيس اول ركن محمد جاسم والذي كان سفيرا للعراق في الاردن اتناء حرب ١٩٦٧م.والرئيس عبدالله احمد والرئيس عبدالوهاب الشواف الذي قام بثورة في الموصل وقضى نحبه..
استقر اليهود بعد هزيمتهم الى الشمال في مدينة جنين في موقع يدعى(خروبه ) وبقيت القرى الواقعه شمال المدينه بايديهم وهي فقوعه،جلبون،عربونه،عرانه،الحلمه، صندله،مقيبله ،المزار ، زرعين،ودير غزاله..
وعندما تكامل الجيش العراقي وانتشر في قطاع نابلس وطولكرم بالاضافة الى قطاع جنين وكان الزعيم طاهر الزبيدي الحاكم العسكري الاول يساعده العقيد علي غالب وكانوا يترددون خلال الهدنه على مدينة جنين،وبحكم عملي مساعدا للحاكم العسكري سالم عبد الرزاق تعرفت على معظمهم ومنهم عبد السلام عارف وَعَبَد الكريم قاسم..،وكانا يحملان كلا منهما رتبة مقدم. 
وخلال فترة الهدنه نظم المناضلون صفوفهم في منطقة جنين ومن جميع قراها،بمساعدة الرئيس عبدالله احمد الذي كان يتجول في القرى وكنت أصحبه احيانا، 
كما عينت القياده العامه للجيش العراقي ضباطا فخريين برتبة ملازم ثاني وهم ؛ فوزي فياض جرار،سامي مصطفى الاحمد،محمد مثقال جرار،نجيب مصطفى الاحمد،مصطفى الأسمر (من ام الفحم)،محمد عارف يونس(من عرعرة) وهي الدفعه الاولى ثم عينوا آخرين فيما بعد..
وعندما اقترب اليوم الموعود وهو موعد انتهاء الهدنه الاولى ،،توافد في الصباح جميع المناضلين الى مدينة جنين وقد زودهم الجيش العراقي بالعتاد،وفِي مساء دلك اليوم تقدم المناضلون على ثلاثة محاور لتحرير القرى التي لا تزال محتله وكان الجيش العراقي متمركزا في الجبال المحيطة بالمدينه .
١- المحور الاول:وكان بقيادة الملازم الفخري فوزي فياض جرار يساعده الملازم الفخري محمد مثقال جرار،وتمكنوا من تحرير قرى ،فقوعه،جلبون ،عربونه،دير غزاله ،الحلمه، صندله،عرانه ، يرشدهم الرئيس العراقي عبدالله احمد دون ان يشاركهم بالزحف.
٢- المحور الثاني. وقد انطلق من قرى رمانه ،السيله الحارثية واليامون والزحف الى المرج لتحرير قرية مقيبله وكان يتواجد بقربها معسكر للطيران من مخلفات الجيش البريطاني ،وكان بقيادة الملازم الثاني الفخري نجيب الاحمد ومعه عبد الرحمن عبد الحميد ومصطفى الأسمر ،وبإرشاد الضابط العراقي الملازم اول كافي..
٣-المحور الثالث .انتشر المناضلون بترتيب جنوبي بساتين المدينه بقيادة وبإرشاد بعض الضباط العراقيين وقد تحركت المحاور الثلاثه في جنين في احر يوم للهدنه وتلاقى المحور الاول يقيادةً المناضل فوزي جرار بزملائهم في المحور الثانيُ يقودهم المناضل نجيب الاحمد في قرية مقيبله وتقدم المحور الثالث محتلا تلة خروبه ومن ثم قرية الجلمه..وفِي مساء ذلك اليوم تجمع المناضلون في قرية صندله ،من اجل احتلال قرية المزار. وفِي عصر ذلك اليوم قدم الى قرية صندله ابراهيم باشا هاشم يصحبه رئيس بلدية نابلس المرحوم سليمان بك طوقان ومعهم سيارتين محملتين بالمؤن هديه للمناضلين وكنت مسؤولا في ذلك الوقت عن التموين اذ شكلنا لجنه من المدينه لتموين المناضلين الذين يحملون السلاح للقتال..وقد أشرفت على تفريغ السيارتين في احدى بيوت القريه المهجورة وتناول المناضلون العشاء..وفِي اخر الليل تقدم حوالي سبعين مناضلا بقيادة محمد مثقال جرار تطوعوا لاحتلال قرية المزار التي كان فيها بعص الهاجناه المتحصنين ،وقد احتلوا القريه فهرب المتحصنين فيها ،وكان هذا العمل تجاوزا من المناضلين وخارجا عن التعليمات من القياده العامه للجيش العراقي،وبأوامر خاصه من المقدم عمر علي المتحمس للقتال..وكان ان بدأت المدفعيه العراقيه في إطلاق بعص القذائف على القريه ،فاضطر المناضلون الى الانسحاب،،وجرح قائد الحمله الملازم محمد مثقال جرار ،وخير الدين على حسن جرار ،وتوقف الزحف وبقيت بيد اليهود 
قرية زرعين الخاويه وقرية المزار التي غادرها اَهلها الى قرى منطقة جنين ...وبانتهاء ذلك اليوم فرضت الهدنه الدائمه الثانيه والتي انتهت فيما بعد بمعاهدة رودس والتي تم التفاوض فيها بشان الحدود والتي انسلخ بشأنها من جنين مساحات شاسعه من مرج بني عامر وقرية مقيبله بكاملها ،والمزار وزرعين...
اما شهداء المناضلين الفلسطينيين بعد انتهاء الهدنه الاولى لاسترجاع قرى فقوعه ،عربونه،ديرغزاله،عرانه ،الجلمه ، صندله ،مقيبله، وزرعين ،وعددهم(١٧) واسمائهم منقوشه على لوحات رخاميه في دوار جنين الرئيسي وسط المدينه ،وهم ؛-
 استشهد في فقوعه كل من عبداللطيف قاسم العبد من جبع ،و محمد سعيد الطايسن من جبع ،توفيق حمدان النعيري من جبع ،ورؤوف عبد الهادي من عرابه .
وقد استشهد في المزار كل من احمد الحاج يسن صبح من برقين،محمد مسعود المصلح من جبع،عبد السلام حسن عبد الخالق من البامون ،كمال الحاج علي من فحمه،رفيق صالح رزق من قباطيه ،الحاج سعيد الزين من قباطيه ،امين النمر ابو وعر من قباطيه،وَعَبَد الحليم احمد ابو الرب من مسليه.
واستشهد في الجلمه كل من محموداحمد عبد الرزاق من مبثلون ،ويوسف سليمان حسن من السيله الحارثية ،
وقد استشهد في زرعين كل من مصطفى سعيد عابد من برقين ،وحسني ابراهيم العبوشي من جنين .
واستشهد في مقيبله محمود محمد داود العمر ، من قرية اليامون...
واما شهداء الجيش العراقي في معارك قطاع جنين فبلغوا (٢٩) شهيدا تم دفنهم في مقبرة خاصه على مفترق الطرق ما بين قباطيه وبرقين ومدينة جنين.... 
رحمهم الله جميعا رحمة واسعه ، واسكنهم في الفردوس الأعلى من الجنه .. 
  انتهى الاقتباس..

تقديم ؛-
زهدي رجا المنصور
٢٠١٩/١/١١م.